الاثنين، 23 يناير 2017

تحت الضغط



ــ علي فعل ذلك عزيزتي..
قالها الزواج لزوجته التي تحاول منذ ما يزيد عن الساعة ثنيه عن الخروج ببندقيته للشارع المتفجر بالرصاص منذ الصباح.. تجاذبٌ قاس بين القلب و العقل.. بين العاطفة و الضمير المحاسب.. هاجمت قوات الاحتلال مدينة غزة بشكل مباشر و توغلت بمشاتها لتجوب أزقة المدينة، و تنشر الرعب و الجثث.. الشوارع فارغة من أي بشري إلا من المقاومة الصامدة في وجه جنود الاحتلال.. طلقات البنادق لا تتوقف و قد خف وقعها على قلوب الصغار، فصار صوتها القريب مألوفا لا يؤثر فيهم ولا يزعزعهم، و ألف الأطفال هذا الصوت بعد أن كانت كل طلقة في الخارج تتبعها صرخة فزع طفولية في البيت.. أحيانا تسمع بعض الخطوات الجارية ترافقها بعض الهمسات و أصوات خافتة، يستطيع الاب أحيانا تمييز كلمات المقاومة من غيرها.. الظلام يعم المكان بعد أن أغلق الاب الباب و النوافذ و كل منفذ.. لكن طول المدة في هذا الظلام سمح لهم بأن ترى أعينهم أشباح بعضهم البعض.. الأب مصر على النزول للقتال و الجهاد، و كل مرة يذكره ضميره بأن الجهاد فرض عين عند دخول العدو أرض المسلمين، بينما تقف عاطفته الجياشة في وجهه و هو يرسل نظرات الألم إلى ابنته الصغيرة و ابنه الرضيع.. من سيحمي هؤلاء إن قُتل؟ الطفلة.. الزوجة.. الرضيع.. حماية هؤلاء أيضا جهاد.. لكن.. الصبر ينفذ و هو يسترجع صور كل شيء.. القتلى.. صوت البنادق.. أرضك و بلدك و أرض أجدادك.. الحملة الاستعمارية المغرورة.. تتردد الأصوات في داخله: من النهر إلى النهر.. خارطة الطريق.. السلام لا يعني رجوع اللاجئين.. مفاوضات بمصر بين إسرائيل و حركة حماس.. الرئيس يتهم حماس بأنها السبب في كل ما يجري للأبرياء
ــ علي الخروج الآن.. لا بد أن أخرج إلى الشارع.. الله الذي خلق الإنسان خلق معه قدره و هو المدبر..
تنظر له الزوجة في وجل و ألم ثم تقول:
ــ انتظر قليلا فقد تتطور الأوضاع و تتدخل بعض الدول العربية للوساطة..
يحني رأسه باستسلام و هو يتمنى لو يقتنع بذلك لحظة، لكن الأمر خرج عن السيطرة، لا انتظار.. في الخارج هناك من ينتظر انضمامه، أبناء المقاومة الأحرار ينتظرونه، سيقتل كل من يصل إليه من الأعداء.. سينتقم من هؤلاء الوحوش قبل أن يقتلوه.. أخرج من الصندوق المجاور قناعا أسود اللون وضعه على وجهه ليخفيه.. لبس لباسا لاصقا يساعده على الخفة في الحركة.. حمل البندقية وضع حاملتها على كتفه.. قام مسرعا عاقدا ما بين حاجبيه، خافقا قبله بكل الحزم و العزم.. قصد البنت الصغيرة قبلها على جبينها و هو ينظر إليها طويلا.. و لم يمنعه العزم البادي على وجهه من إطلاق سراح تلك الدمعة المحروقة على من عاشت في حضنه سنوات سبع.. الرضيع، قادم جديد، و لم يتغلغل في قلب ابويه كتغلغل الصغيرة في قلبيهما.. مر على الصبي يتصنع العجلة للهروب من أمامهم، قبله بسرعة و دفع الباب و خرج.. وقف لحظة بالباب يتفقد الشارع، ثم نزل الدرج حين اطمأن و أغلق الباب خلفه و إلى أذنيه تتسابق تنهدات الزوجة المكلومة من شدة النحيب...
------------------------------------------
محمد?200

الثلاثاء، 17 يناير 2017

القصيدة الخريفية (من ديوان الحكيم/ تحت الطبع)..



وَلَّــــــى خَـــرِيــــفٌ سَـــــادِسٌ ******* وَذَا خــــــرِيــــــفٌ آخَـــــــرُ
فَــالْقَـــلْـــبُ مِنِّـــــي مُــقْـفِــرٌ ******* وَالْــعَــقْـــلُ فِــــيـــهِ حَــائِــرُ
حَـــلَّ الْـــخَـــرِيـــفُ السَّــابِـعُ ******* فَــهَــاجَــــتِ الْـخَـــــوَاطِــــــرُ
هَــبَّـــتْ رِيـــــــحٌ صَــرْصَــــرٌ ******* عَـــــنَــــتْ لَــهَـــا الـسَّــتَـائِــرُ
تَــسَـاقَــطَــتْ أَوْرَاقُـــــــــنَـــا ******* وَاصْـــفَـــــــرَّتِ الأَزَاهِــــــــرُ
تَـــسَـــابَـــقَـــتْ أَزْمَـــانُـنَــــا ******* وَشَـــــــذَّ مِــنْــهَـــا الْحَاضِــرُ
إِنْ تَــسْــأَلِــي عَــــنْ كُنْهِــهَا ******* فَـــهْـــيَ الْـجَــــــوُّ الْـمَـاطِــــرُ
وَقَـــطَّــبَــتْ سَــمَــاؤُنَــــــــا ******* وَرَاحَـــــــــتِ الْـبَــشَـــائِـــــرُ
وَأَجْــفَـــلَـــتْ ذِكْــــرَانَــــــــا ******* مِـــــــنْ غَــفْــوَةٍ تُـــــــبَـــادِرُ
وَأَعْـــلَــــنَـــتْ مَـــاضِــيـنَــا ******* بِـــكُـــــلِّ مَــــــــــا نُــحَـــــاذِرُ
سَــبْــعٌ عِــجَــافٌ هَــاجَـــــرَتْ ******* بِــحُــــزْنِــنَـــا تُـــسَـــــافِـــــرُ
جَــفَّــــتْ مِــنِّــــي أَدْمُــعِـــي ******* وَالْــقَــلْـــبُ مِــنِّــــي صَــابِـرُ
أَحْــــبَــبْــتُـــهَــا فَـبَــادَلَــــتْ ******* وَاقْـــــتَــصَّ مِـــــنَّـــا الآسِــــرُ
فَــأَمْــطَــرَتْ أَجْــفَــانُــنَــــــا ******* وَاهْــــــتَــــزَّتِ الْـمَــشَـــاعِــــرُ
أَكَـــــــانَ حُــلْــمــًا حُــبُّــنَـــا ******* أَمْ وَاقِــــعـــــــًا يُــجَــــاهِـــــرُ
أَمْ كَـــــانَ ذَنْــبـــًا بَــيِّــنـــــًا ******* يَــغْـــضَــــبُ فِــيـــهِ الْــغَــافِـرُ
إِلَــيْــــكَ رَبِّـــــي أَرْغَـــــــبُ ******* فَـــانْــظُـــرْنِــــي يـَــا نَـاظِـــرُ
مِـــــنْ وَجْــــدٍ أَشْــكُــــــو أَنَـا ******* فَــانْــصُــرْنِـــي يـَـا نـَـاصِــــرُ
يَــــا مَــــنْ تَـــرَى سَرِيـــرَتِي ******* مَـــكْـــشُـــوفَــــةً وَالظَّـــاهِــرُ
إِنْ كَـــــانَ قَـلْـبِــي نَــاشِـــزٌ ******* عَــلَــــــيْـــــــهِ أَنْـــــتَ قَـــادِرُ
يـَــا مَـــنْ أَنَـــــــا أُحِــبُّـــــهُ ******* وَتَـــــشْــــهَــــدُ الـضَّـمَـائِـــرُ
"إِحْـــــسَــانُ" صَــبْــراً لاَ تَنِـي ******* فَــمِــثْــلُــنَـــــــا يُـــصَـــابـِـــرُ
أَنْـــــتِ إِذًا أَحْـبَـبْـتِـنِـــــــــي ******* إِذًا كِـــــــلاَنَــــــا خَــاسِـــــرُ!
عـَـــــلاَ مَ قَــدْ عَشِقْتِنِـــــي؟ ******* مـــا دُمْـــتِ أَنْتِ الــــسَّاحِـرُ!
بـِـرَغْــبَــــــــةٍ أَمْ زَلَّـــــــةٍ؟ ******* أَمْ ذَاكَ حَــــــظٌّ عَـــــاثِـــــــرُ؟
هَـــــالَــــكِ أَنِّــي شَاعِــــرٌ؟ ******* مَـــــاذَا يَــكُــونُ الــشَّــاعِـرُ؟
مَـــا كَـــانَ يَــــومًـــا حَاكِمًا ******* أَوْ قَــــائِــــدًا يُـــغَــــــامِــــــرُ
بَــلْ تَــاجِــــرًا لِلْــكَــلِــمَـــة ******* لَـــــوْ يُـفْـلِـــحُ ذَا الـتَّــاجِـــــرُ
أَوْ سَـــــارِقــــًا لِلْــحِـــــسِّ ******* تُــجِــيـــــزُهُ الـــــدَّسَـــاتِــــــرُ
أَوْ سـَــــاحِــــرًا لِلــــسَّمْــعِ ******* تَــنْــقُــصُــــهُ الــشَّـــعَــائِــــرُ
لَـــوْ يَـنْـفَــعُ الــتَّـمَــــــــرُّدُ ******* أَوْ تَــنْـفَـــعُ الْــمَــــخَــاطِــــرُ؟
لَــكِــنْ إِلَـهٌ فَــوْقَــــــــــنَـــا ******* تـُـغْــضِــبُـــــهُ الْـمَــنَــاكِــــــرُ
يُــحْــصِـــي لَــنَا أَعْـمَـــالاً ******* كَــالـــــــذَّرِّ وَالْــكَــبَـــــائِـــــرُ
"إِحْــــسَـانُ" قَــلْـبِــي لَــبَّـــى ******* وَالْــعَـــــزْمُ مِــنِّـــــي خَــائِــرُ
لِـــحُــبِّــنَــا لاَ أُخْــلِـــــــفُ ******* لاَ خَــــــــائِـــــنٌ أَوْ غَــــــــادِرُ
وَ إِنْ ظُـــرُوفٌ بَــاعَـــدَتْ ******* مــَــــا بَـيْـنَـنَــــا أَوْ شَـــاطِـــــرُ
فَــالْــبَـــارِي وَلِـــيُّـــنَـــــا ******* لاَ يُــــعْـجِــــــزُهُ الْــمَـــــاكِـــــرُ
إِنْ ضَـــــاقَ يَـوْمًا صَدْرُكِ ******* لَـــــكِ الْــكَــــــلاَمُ الْـــبَــاهِـــــرُ
وَ الْــمُــصْــطَــفَـى فَقَلِّدِي ******* تَــقْــلِـيــدَ مَــــنْ يـُـفَـــــاخِــــــرُ
لِــكُــلِّ شَـــــيْءٍ مُــنْــتَـهَـى ******* و تَــنْـتَـهـِــــــــي الأَوَاصِــــــــرُ
---------------------------------------------------------
محمد الرامي في سلا 13/11/2006