الخميس، 22 فبراير 2018

موقفي من التسطيح و التكوير في شكل الأرض

قال لي أحد الأصدقاء: ما أدلتك على أن الأرض مسطحة؟
قلت له: متى سمعتني أقول بأنها مسطحة؟
قال : لقد قلت بأنها ليست كروية فإذن أنت مع الفريق الثاني. و تعتقدها مسطحة.
قلت: أبدا، ليس بالضرورة،  كما أن شكل الأرض ليس بالضرورة إما كرويا أو مسطحا، فقد يكون أي شكل آخر لا يعلمه إلا الله، و لو خُيِّرتُ بين الانتماء لأحد الفريفين اللذين تتحدث عنهما لاخترت الانتماء بلا تردد لأنصار كروية الأرض لأنها النظرية الأقوى و الأقرب للمنطق و العقل، في مقابل نظرية سطحية الأرض التي لا دليل عليها غير حاسة البصر و هو ما لا قيمة علمية له، أما قصتي مع المسألة، فأنا يا صديقي قبل مدة كنت أعتقد بأن الأرض كروية لا غبار عليها، و أنها حقيقة علمية و ليست نظرية و أنهم صوروها فعلا، إلى أن بدأت بحثا صغيرا قبل بضع سنوات في الموضوع فعرفت أننا لا نملك للأرض أي صورة، و تعلمت شخصيا ببرنامجي تصميم ثلاثي الأبعاد و مؤثرات بصرية، صناعة تصاميم للكون و الأرض و الشمس و القمر بشكل يقارب ما نراه على التلفاز، حينها ركبتني الشكوك تلو الشكوك في معارفي حول علوم الفضاء، و قليلا قليلا صرت ألاحظ و أفكر في الموضوع بشكل مكثف، ما جعلني أكتشف بنفسي عددا من الأدلة البسيطة التي كشفت من خلالهما حقيقة ما تعرضه البرامج الوثائقية، و مع الوقت تنامت قناعتي حول حقيقة ما نراه حول الأرض و الفضاء إلى أن حوَّلت اعتقادي من اليقين بكروية الأرض و التصميم المعروف للكون، إلى الاعتقاد بنسبية حقيقة ما أراه و احتمالية كذبه أو زيفه أو خطئه في أحسن الأحوال، و هذا كان له أثر كبير على نفسي بحيث شعرت أني كنت أحمل حملا كبيرا لا قيمة له، قام بعدها عقلي بتصنيف تلك المعارف في خانة "يحتاج للمزيد من الأدلة"، أو خانة "مشكوك في امره"، و هذا في حد ذاته مهم جدا و علمي أيضا في نظري، فما يحتمل الخطأ عليه أن يحتمل الخطأ دون خداع للناس على أنه حقيقة مثبتة نهائية -و هو ما كنت ذات وقت أعتقده و علمونا إياه- ، ثم بعد سنين عددا عثرت على فيديو اعترافات مخرج مسرحية النزول على القمر  الذي سجله قبل موته و طلب عرضه بعد موته، و هو التسجيل الذي انتشر قبل فترة يكشف كذبة النزول على القمر. كل هذا يجعلني أعيد حساباتي و أخضع معارفي للنقد و التشكيك و وضعها موضعها الصحيح، أما أن أعتقد بسطحية الأرض هكذا بلا أدلة و لا إثباتات فهو غباء أيضا، العقل الذي رفض كل الأدلة على كروية الأرض لن يقبل بسطحيتها دون أدلة.
قال ذلك الصديق: إذن أنت لا تعتقد لا بكرويتها و لا بسطحيتها؟
قلت: ليس بتلك الطريقة، أنا لا أعتقد فعلا بأي من الرأيين الآن لكن بطريقة مختلفة، أعقتد أننا لا نعرف بالضبط شكلها و لا توجد لدينا صورة للأرض، و كل ما لدينا هو أدلة تعتمد الملاحظة فقط رغم كل التكنولوجيا، انصار السطحية يعتمدون البصر و نصوصا دينية قابلة للتأويل و هذا يجعل نظريتهم أضعف الخيارات في رأيي، و أنصار الكروية يعتمدون ملاحظة النجوم و الأجسام عن بعد و الظلال و شكل السماء ليلا من مناطق متعددة و غير ذلك، و هم بذلك أدلتهم تظل أقوى و أكثر إقناعا و منطقية، لكنها لا تثبت النظرية و إنما تجعلها أرجح من غيرها فقط، و بذلك فأنا قد لا أعتقد في اي نظرية كانت إلا أني لست خارج الزمن، بل لدي موقفي الذي قد يتلخص في أني أميل أكثر لكروية الأرض، كفكرة منطقية عليها أدلة ملاحظة قابلة للبحث و التأكد، و تعتبر منطلقا لكل من يريد اكتشاف شكل الأرض، لكنني لست أعتقد حاليا بأي شكل من أشكالها المطروحة إلا في حدود الاحتمال و الترجيح.
قال الصديق: و لم استدللت مرة بالآية "أفلا ينظرون..."؟
قلت: هذه الآية هي أكثر أية يمكن وضعها في مقابل نظرية كروية الأرض، و كنت أعتمد عليها بداية في مناقشة نفسي ردا على ما كان يعشش بعقلي مما تعلمته، لأنها أية تحتمل أن تكون صحيحة في ظاهرها دون تأويل، خصوصا أن كلماتها ليست مجازية و لا مركبة تركيبا مجازيا، و سياقها جاء في خضم عرضٍ لآيات غيرها مادية ظاهرة واضحة بعيدا عن أي تشبيهات او مجاز، ما يجعل هذه الآية قوية كمنطلق للبحث في سطحية الأرض، و هي كل ما نملك حاليا حول شكل الأرض من مصدر موثوق، إلا أنها تحتمل أيضا التأويل، اذا اعتبرنا ان المقصود بالأرض اليابسة فقط، أو قطعة من الأرض و ليس الأرض كلها، كما يمكن أن نؤوّلها على أن كلمة "سُطحت" هنا المقصود بها ما يُرى للرّائي و ليس أبعد من ذلك، فالآية من جهة صريحة في سياق صريح غير قابل للتأويل، و من جهة أخرى تحتمل أكثر من فهم للفظة الأرض، لكنه مع ذلك حتى محاولة الخوض في مقصود الله و مراده من كلمة سطحت، هو غلو في التأويل، كأن الله تعالى غير مبِينٍ في كلامه، أو أن قرآنه كتاب الغاز صعب الفهم إلا بالتأويل، و هو القائل سبحانه " و لقد يسرنا القرآن للذكر"، و بذلك أرى أن الباب الوحيد لتأويل الآية هو كلمة "الأرض"، فإن ذكرت هذه الآية فلأنها الطريق الوحيد للرد على نظرية كروية الأرض و التشكيك فيها، و لأنها كل ما نملكه حول شكل الأرض من مصدر عليم، و مع ذلك ذكري لها لا يعني أني أعتقد في سطحية الأرض، لأننا نفتقد لأدلة علمية و مادية تثبت ذلك، و هذه الآية ليست من قبيل الآيات الغيبية التي تفترض إيمانا بالتسليم، بل هي من قبيل الآيات العلمية التي تدعو للبحث و السير في الأرض، و بذلك فهذه الآية تبقى وحيدة في جانب أنصار سطحية الأرض، تقابلها في الجانب الآخر آية "يكوّر الليل على النهار و يكوّر النهار على الليل"، و الآية الثانية مدعومة بعدد كبير من الأدلة تجعل نظرية كروية الأرض أقوى مقارنة بسابقتها، و كلاهما موضوع للبحث ليس أكثر، بعيدا عن أي اعتقاد بشكل محدد للأرض أو للكون في ظل غياب أي أدلة مادية قطعية من جانب الطرفين.
قال الصديق مازحا: كيف تحبها أنت أن تكون؟ سطحية أو كروية؟
قلت : أود صادقا أن يثبت أنها كروية، و أن الكون كما صوروه لنا، فهو أدعى لعظمة الله تعالى في نفوس البشر، و يبعث الرهبة و الدهشة في قلبي، باختلاف الشكل الذي يطرحه المسطِّحون و الذي يثير في النفس الضيق و البساطة، و هو ما لا يدعم نظريتهم بل يحبطها، حين نرى قرصا محاطا بالجليد من حافته و مغلقا بقبة السماء، هؤلاء سطحوا الأرض و لكنهم ضيقوا الآفاق و بسَّطوا قدرة الله على الإبداع في مقابل كرة تسبح في السماء في كون فسيح بديع، لكني مع ذلك أعلم أنها حتى إن لم تكون كروية فستكون في شكل أبدع و أرقى مما يعتقده المسطِّحون و ليس أقل مما نعتقده عنها اليوم، أما هذا الشكل القرصي المغلق فهو ساذج بشكل ملفت يرفضه العقل السليم و المنطق السليم.
-----------------------------
محمد الرامي 22/02/2018