السبت، 31 ديسمبر 2016

إسقاط سخافات الملحدين بالعقل و العلم..



      ردا على ستيفن هوكينغ و أتباعه من الملحدين، سنحاول في هذا المقال إن شاء الله بالمنطق و العقل و العلم أن نهدم سخافاتهم، و ذلك بطرح مجموعة إشكالات و تساؤلات تبين تناقضهم مع أنفسهم، و تعارضهم مع المنطق و العلم فيما يخص نظرية خلق الكون.

      ما يفر إليه ستيفن هوكينغ و رفاقه للهروب من إشكالية وجود خالق للكون، هو أنه يزعم بأن خلق الكون كان حتميا لوجود قوانين الفيزياء التي أدت إلى ذلك، و بالتالي يرى بأن الكون خلق نفسه بنفسه، كما يزعمون أن الكتلة البدائية ذات الحد الأدنى من الطاقة كانت أزلية و غير مخلوقة، و واضح لعدد منكم من هذه المقدمة البسيطة فقط أن في الأمر تناقض واضح، و نوع من التضليل للبسطاء، و في الفقرة الموالية سنقوم بالتوضيح و الرد الحاسم على هذه الادعاءات باتباع قوانين المنطق و العقل و ما أثبته العلم الحديث.

      إن القول بحتمية خلق الكون سيفرض تداعيات منطقية ضرورية، لعل أبسطها التساؤل كيف ظهرت تلك الكتلة البدائية؟ فإن كانت أزلية و لم تظهر في لحظة محددة،  فإننا نسأل هوكينغ و رفاقه عن السبب الذي جعلها مستقرة منذ الأزل حتى لحظة الانفجار؟ لأن هوكينغ و غيره لا يستطيعون إنكار الانفجار الكبير لأنه صار حقيقة مثبتة بعدد كبير من الأدلة القطعية، و هم لا يفعلون ذلك على أية حال، فإذن يبقى التساؤل مطروحا، ما الذي جعل تلك الكتلة البدائية ذات الحد الأدنى من الطاقة مستقرة منذ الأزل حتى لحظة الانفجار؟ هذا ان اعتبرناها أزلية و مستقرة و قبِل هؤلاء بهذا الطرح، فإن فعلوا ذلك فسنطرح عليهم أسئلة أخرى من مستوى أعلى قليلا، و كما هو معلوم فأن العلماء اكتشفوا في الكون 92 عنصرا أوليا طبيعيا، أصغرها عنصر الهيدروجين و أكبرها اليورانيوم، و السؤال: هل كانت هذه العناصر جميعها داخل تلك الكتلة البدائية؟ أو كان فقط بعضها؟ فإن كانت كلها داخل تلك الكتلة فيجب القول بأن التفاعلات الكيميائية بين ذرات العناصر النشطة ستؤدي إلى الانفجار في الجزء الأول من الثانية الأولى لظهور الكتلة، و بذلك نعود مجددا مرغمين للقول بوجود بداية محددة لظهور الكتلة، و نفي أزليتها المزعومة! فإن رفضوا فكرة وجود جميع العناصر داخل الكتلة البدائية فإننا سنسأل؟ إذن ماذا كان داخل الكتلة؟ أي العناصر كانت داخلها و تفاعلت لتولد انفجارا بهذه الضخامة و العظمة و التنظيم؟ يبقى الجواب مستحيلا عليهم لأن الادعاء باستقرار الكتلة منذ الازل حتى لحظة الانفجار يطرح تساؤلا، هل كانت بالكتلة غازات خاملة مثلا؟ إذن فهي لن تسبب الانفجار و لن تخلق لنا باقي العناصر الأولية النشطة! هل كان بها عنصر أو اثنان نشيطان؟ فليأتنا هؤلاء بأي العناصر النشطة غير المتفاعلة بينها كانت داخل الكتلة، و حتى ذلك سيكون مشكلة أمام تفسير الانفجار، لأن العناصر المسببة للانفجار عليها أن تكون قد دخلت فعلا في تفاعل كيميائي أدى للانفجار، و إن كانت ستفعل فعليها بالضرورة أن تفعل منذ اجتماعية بالدخول في رابطة كيميائية سببت الانفجار، و هذا يخلق أحد أشد المشاكل الكيميائية داخل الكتلة البدائية، و بالتالي فإما سنقول بأن الكتلة كانت بها العناصر الطبيعية و انفجرت نتيجة تفاعلات كيميائية، و بالتالي فالكتلة ظهرت بالضبط لحظة التفاعل و الانفجار، و بالتالي لها لحظة وجود فمن أوجدها في تلك اللحظة؟ و إما أنها كانت أزلية ليس بها عناصر نشيطة، و بالتالي ليس بها تفاعلات كيميائية، و بالتالي كان عليها البقاء على حالها كتلة بدائية مستقرة، و بالتالي لن يكون هناك كون، و هذا سخف ينافي العقل، فما الذي سبب الانفجار العظيم؟!!

      واضح جدا أن أقرب خيار للعقل و المنطق و العلم هو القول بظهور الكتلة و الطاقة في لحظة الانفجار العظيم، و لكننا مع ذلك سنطرح المزيد من الأسئلة العلمية المنطقية لمزيد من التوضيح. فهوكينغ يقول بأن قوانين الفيزيائية كانت منذ الأزل و بالتالي خلق الكون كان حتميا نتيجة تلك القوانين! السؤال، هل كانت تلك القوانين قبل الكتلة و ظهرت الكتلة بعدها؟ و هذا غير منطقي، لأننا سنسأل ببساطة: أين كانت تلك القوانين؟ حيث كان العدم و يستحيل أن تتواجد في العدم! أم هل ظهرت القوانين بعد الكتلة؟ فأقول هذا يستدعي موجد لتلك القوانين ضمنيا! سيقول لي هؤلاء ، إن كلمة أزلية تنفي كلمة ظهور، فالكتلة و القوانين أزلية و لم تظهرا في وقت محدد، حسنا، السؤال: ما الذي جعل الكتلة الأزلية مستقرة رغم وجود قوانين الفيزياء منذ الأزل حتى لحظة الانفجار الكبير؟ أليس المفروض أن تلك القوانين تعمل تلقائيا و بالتالي من المفروض أنها أدت للانفجار منذ الأزل؟ و هنا تناقض صارخ يطفو لوحده كما ترون، و هو أن مجرد التحدث عن لحظة محددة للانفجار يهدم تلقائيا أي زعم غيره، و لذلك كانت فكرة الانفجار العظيم مرعبة  جدا للماديين لدى ظهورها في بداية القرن العشرين، لأن التحدث عن انفجار يستدعي الإجابة عن السؤال: لماذا وقع في تلك اللحظة و ليس قبلها، و من قام به؟

      المشكلة هنا أن هوكينغ قام بخطإ علمي فادح، حيث خلط بين القوانين الفيزيائية كأدوات لوصف و تفسير الظواهر الطبيعية لا أكثر، و بين الموجودات التي تسير على تلك القوانين، المتفاعلة بينها تحت تلك القوانين لإحداث تغييرات في المادة، فمنذ القديم و حتى اليوم لا يستطيع عالم واحد القول بأن قوانين الفيزياء خلاقة أو فاعلة، لأن ذلك جنون واضح، كما شبه ذلك أحد المفكرين قائلا: قوانين الفيزياء كقوانين الرياضيات و ككل القوانين الكونية غير خلاقة ولا فاعلة، لأننا حين نقول بأن 1+1=2 فهذا القانون لم يضف شيئا سوى تفسير عملية إضافة الرقم الأول للرقم الثاني، لكن يجب أولا أن يكون هناك من يضيف الأرقام إلى بعضها، و بالتالي لا بد أن يكون أصلا الواحد موجودا كي أضيفه، فالمال لا يتزايد لوحده بالمصرف، و لكن ما لم أضع نقودا كل مرة سيظل الرقم ثابتا على حاله، و لن يجعله القانون الرياضي يزداد يوما حتى بعد مليون سنة، و على منهج هذا المفكر نقول نحن كذلك بأن القانون الفيزيائي يصف التحولات الناتجة و التفاعلات الحاصلة و لا يقوم بفعلها، فمثلا القانون يصف لنا بأن تفاعل الهيدروجين مع الاكسيجين يؤدي لتكوين الماء، و لكن القانون الفيزيائي لم يأتي بالعنصرين الأوليين و لم يقم بخلقهما، كما كل القوانين الطبيعية أو الوضعية لا يمكنها أن تفعل شيئا غير تنظيم عمليات و تفاعلات يقوم بها فاعلون حقيقيون لهم إرادة حرة. و بالتالي فإن قوانين الفيزياء لم تقم بالانفجار الكبير و إنما تستطيع فقط أن تصفه، و يبقى السؤال السابق مطروح، هو من قام بالانفجار إذا؟ وإن قلنا بأن المادة أزلية و القوانين أزلية، فما الذي جعل الكتلة البدائية مستقرة رغم وجود تلك القوانين؟ و لم تنفجر حتى تلك اللحظة؟ أو يمكننا ببساطة أن نقول بإن الكتلة البدائية ذات الحد الأدنى من الطاقة -حسب تعبيرهم- ظهرت وبها كل العناصر اللازمة لخلق الكون إضافة إلى القوانين الفيزيائية في لحظة محددة، و نتج عن كل ذلك انفجار كبير، أدى لظهور هذا الكون ذي الثوابت الكونية الدقيقة التي يؤدي أي خلل فيها بنسبة جزء من ملايير الملايير إلى هدمه كليا! فمن خلق تلك الكتلة و تلك القوانين؟ و من تسبب بالانفجار؟!

      إن عناد بعض الملحدين في مسألة الاعتراف بوجود خالق للكون، يجعلهم يتخبطون بين التناقض و التفوه بالحماقات، و يتشبثون بأي نظرية تدعم إلحادهم حتى لو كانت بلا أي أدلة أو براهين على صحتها، مع الاعتراف بأن عددا كبير منهم سلم في النهاية بوجود مسبب و خالق للكون، و أن العلم أثبت صحة الاعتقاد بوجود الله، إلا أن البعض ما زال يبحث عن أي خيط رفيع يتشبث به، و هو ما يفعله عدد من الملحدين اليوم حين يروجون لبعض جوانب نظرية ميكانيكا الكم بشكل مسعور، خصوصا فيما يتعلق بالتشابك الإلكتروني الذي ينتج عنه ضرورة النتيجة العكسية لأحدهما حين يختار الآخر نتيجة ما، حتى لو كان أحدهما على الأرض و الآخر على سطح القمر، ما يعني تواصل أسرع من الضوء بين الجزيئين، و الجانب الذي يحاول الملحدون الوصول إليه هو إثبات نظرية الاكوان المتعددة، و بالتالي بالقول بوجود عدد لا متناهي من الأكوان، و هذا يقتضي حسب رأيهم ضرورة وجود كون متناسق بين ملايير الأكوان المختلة، و بالتالي فهي الصدفة ما جعل كوننا بهذا التنظيم ضمن صحراء لا نهاية لها من الأكوان، و واضح جدا أنه بداية تبقى هذه نظرية لا يوجد أي دليل بدعمها، لأننا لحد الآن ما زلنا عالقين في جزء بسيط من كوننا لم نكتشفه بعد، فبالأحرى التحدث عن أكوان متعددة، و هي النظرية التي يراها بعض العلماء اسخف ما يتعلق به الملحدين لرفض وجود خالق للكون، و يبدو أن آينشتاين كان موضوعيا و عقلانيا جدا حين رفض مسألة وجود سرعة أكبر من سرعة الضوء، و بالتالي تواصل لحظي بين الإلكترونين المتشابكين، فضرب مثال القفازين، فقال بأن الجزيئين أشبه بقفازين كل واحد منهما في صندوق، حتى لو جعلنا أحدهما على القمر فإننا ما إن تفتح أحدهما و نجد اليد اليمنى حتى نعلم تلقائيا بأن الصندوق الآخر به اليد يسرى، و قال بأن التفسير المنطقي الوحيد للإلكترونين المتشابكين هو أنهما كانا مقدرين منذ البداية، و لا يوجد أي تواصل بينهما. و تظل هذه المشكلة حتى الآن قائمة رغم محاولة بعض الملحدين نفي فكرة آينشتاين بمحاولة إثبات عملية التواصل اللحظي، أو ما سماه آينشتاين بـ " التواصل الشبحي اللحظي".

       كما يحاولون إثبات فكرة هل يوجد كون أصلا؟ و ذلك بناء على سلوك الإلكترون الذي يتصرف كموجة رغم أنه جسين مادي، و يتحول للجسيم المادي فعليا فقط إذا وقع عليه فعل القياس، و الفكرة تقوم على أن سلوك الإلكترون الموجي يعني بأننا ما لم نخضعه للقياس فهو يوجد في أي مكان محتمل، أي وجوده نفسه في أكثر من مكان في نفس الوقت، و بالتالي طرح السؤال الفلسفي الغريب: "هل نحن أصلا موجودون؟ و هل الكون موجود؟" و هو السؤال الشبيه بقولك: "هل أنا حقيقي؟"! السؤال الذي حاول ديكارت الإجابة عنه بالكوجيتو الشهير. بينما حقيقة الأمر أن المادة في حد ذاتها كمُكوِّن أساسي هي أكبر دليل على الوجود، حتى لو تواجد الشيء نفسه في أكثر من مكان، فهذا يبقى وجودا في نقيض العدم، و السؤال الأصح الذي يجب طرحه هو: "كيف انا موجود؟ و ما هي حقيقة وجودي؟ و كيف الذي أوجدني جعلني بهذا الخلق العجيب حيث أكون في اكثر من مكان في نفس الوقت؟"، خصوصا أن الموضوع الذي يتعلق به الملحدون كدليل على عدم وجود خالق، صدر قبل ظهور النظرية رسميا على يد آينشتاين بحوالي 13 قرنا، و على لسان واحد من أكبر علماء الإسلام، هو حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه، هذا الرجل الرباني الذي لم يشتغل يوما في الفيزياء و لم يكن عالما فيزيائيا و لا فيلسوفا، و إنما صحابيا تربى على يد النبي محمد صلى الله عليه و سلم، حيث قال في حديثه الشهير حين سئل عن معنى الآية: "الله الذي خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن"، فقال: لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم ، وكفركم تكذيبكم بها. و قال لسائل مرة: ما يؤمنك إن أخبرتك بها فتكفر؟ حتى قال: "سبع أرضين ، في كل أرض نبي كنبيكم ، وآدم كآدم ، ونوح كنوح ، وإبراهيم ، كإبراهيم ، وعيسى كعيسى". كما جاء في تفسير القرطبي " وهو قول الجمهور - أنها سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض ، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والسماء ، وفي كل أرض سكان من خلق الله." و هذه التفاسير كانت في زمان الصحابة و زمن القرطبي جنونا لا مثيل له بالنسبة للمهتز إيمانهم، لكنه مع ذلك يبقى قول جمهور المسلمين في تفسير الآية بلا مشكلة إيمانية، لكن الملحدين اليوم يعتبرون ميكانيكا الكم طريقهم لإثبات عدم وجود الله، إلا أن بحثهم هذا سيؤدي بهم في النهاية ككل العلوم و الأبحاث السابقة، إلى إثبات وجود خالق عظيم لهذا الكون، لديه الإرادة الحرة و القدرة الفائقة على الخلق و الإبداع و الصنعة المتقنة بشكل يستحيل تجاهله. قال تعالى: "و يتم الله نوره و لو كره الكافرون".
------------------------
محمد الرامي

الخميس، 29 ديسمبر 2016

احتراق الشموع !




      إنه الأربعاء، ليلة أخرى باردة من ليالي دجنبر، أتمدد على ظهري مقوسا فوق أريكتي بين الغفوة و اليقظة، أتفرج على مسلسل ذكرياتي المبعثرة، أسافر في غمضة عينٍ لدقائق لا يستعيدني منها سوى صوت أحدهم يمر صاخبا قرب نافذة غرفتي، أو صوت رنين الهاتف على الطاولة بجانب الأريكة، أحيانا تستمر الغمضة كما لو نمت ساعة و غرقت في حلم ما، لم يكن اليوم مختلفا عن غيره، لكنه يبدو مختلفا الآن و قد بدأ الظلام يسدل سواده على العالم، هذا الهدوء القروي يجعل المكان أشبه بالرجل الأصم.. ذكرى أخرى تراود ذاكرتي كبروق عاصفة في عمق المحيط، تبرز و تختفي كأنها تختبر قوتي على الاسترجاع، في النهاية تستقر على مشهد ما، لا يبدو بعيدا جدا، بل يبدو كأنه حدث قبل أيام، و إنه لكذلك، ذكرى حلم راودني قبل خمسة أيام خلت.. كنت أتدلى على حافة جرف متشبثا بخيط رفيع أنتظر فقط متى ينقطع، كان الخيط لا يكاد يظهر في الجو الرمادي الداكن الذي يغلف المشهد، رفعت رأسي أنظر لأعلى متوقعا أن يطل أحدهم ليرفعني، و فجأة كأن أمنياتي أوامر تتحقق أطل وجه مألوف علي، وجه بعث في نفسي الأمل بمجرد رؤيته، كنت أعرفه جيدا، لم يكن غريبا علي، وجه يبدو كبوابة الخلاص، مددت له يدي بكل اطمئنان، ظل هذا الإنسان جامدا لبرهة ثم ألقى علي كلماته :" عالمك في الأسفل يا عزيزي، و هو لا يشبه عالمي، عد إليه و لا تحاول التسلق مجددا"، لم أر وجهه لأن النور كان طاغيا جدا عليه، لكني شعرت كما لو أن الصوت كان باكيا، استغربت في البداية و سألته متعجبا:" هل أنا من تسلق باختياري هذا المكان؟"، نظرت لأسفل فلم أر غير الظلام الممتد و أكملت قائلا:" حتى إنني لا أرى قاعا في الأسفل، لعلي تدليت من فوق!"، لم يجبني و لكني شعرت بجسمي ينحدر بسرعة فائقة للأسفل، حاولت الإمساك بالخيط الذي كنت معلقا به، فلم أشعر بأي خيط، لا أدري حتى كيف كنت أتدلى، اصطدمت في انحداري بكل شيء صلب من جذوع و أحجار، مُلِئ جسدي بالجراح و التمزقات، و لم أتوقف عن السقوط إلى أن ارتطمت بالأرض ففتحت عيني مذعورا، كنت أتذكر الحلم كما لو كنت أعيشه من جديد، بعض الأحلام أقرب للحقيقة حتى من الواقع، و بعضها يكون واقعيا فعلا، من الغريب أن تستيقظ من حلم كلك جراح و ندبات، غريب ما قد يفعله الحلم بإنسان.. بقيت لحظات أحاول فك رموز الحلم السخيف، حاولت تذكر الوجه فوجدت نفسي أتذكره جيدا، تساءلت لم ذلك الشخص رفض مساعدتي؟ ماذا كان يقصد بأنه ليس من عالمي؟ كيف وصلت إلى ذلك المكان على بعد متر من القمة ثم عجزت عن الارتقاء؟ كل الأحداث تقول بأنه مجرد حلم، حلم من تلك الأحلام التي لا يمكنك الجزم بأنها كذلك، لا ترابط فيه و لا رموز، لكن ألم الجراح ظل يستبد بي يومين بعد تلك الليلة، بل أشعر من حين لآخر بألم في أماكن مختلفة من جسمي، هل كان حلما حقا أم أني سافرت عبر ثقب أسود؟ كانت هذه الفكرة ساخرة جدا لدرجة اني ابتسمت حين برقت في ذهني، لأن الأحلام جميعها قد تكون سفر عبر بوابة لبعد آخر، لكن أحدا لم يؤكد ذلك او يكشف عنه، حتى العلم يظل عاجزا عن تفسير ظاهرة الاحلام، فتحت عيناي و ضغطت مفتاح قاطع التيار ليضيء المصباح، أخذت كأس الشاي الذي يظل قربي اكثر من أي صديق آخر من فوق الطاولة المجاورة كي أرتشف رشفة ككل مرة، وجدته قد صار باردا جدا، فأعدته لمكانه و اطفأت المصباح مجددا، أغمضت عيناي و غرقت في الصمت و السكون، لم أتجاوب هذه المرة مع أية أفكار تراودني، ركزت فقط على الظلام و الهدوء و الفراغ.. شعرت برغبة جامحة في النوم الطويل، ألغيت عقلي و ذاكرتي و مشاعري جميعها، و سافرت في الظلام، بعد وقت فتحت عيناي فوجدتني نمت بضعا من الليل في مكاني، حملت نفسي حملا نحو السرير، و استلقيت كمحارب عاد توا من المعركة...
-----------------------
محمد الرامي

السبت، 24 ديسمبر 2016

هل فعلا آمن آينشتاين في آخر حياته؟




      المعروف أن إينشتاين كان يهوديا، و دعم في مرحلة سابقة الصهيونية قبل أن يتراجع عن ذلك و ينادي بتعايش العرب و اليهود في فلسطين، لكنه لاحقا صرح بأنه يؤيد اليهودية كقيم و مبادئ فقط و ليس كدين، و واضح أنه كان يؤمن بنظرية الكون الازلي من خلال اقتراحه "الثابت الكوني"، آينشتاين في أبحاثه حول النسبية قادته حساباته إلى وجود بداية للكون، و هو ما يضرب معتقده و المعتقد السائد في الأوساط العلمية بأن الكون أزلي لا بداية و لا نهاية له، فأزعجه ذلك كثيرا ما جعله يضيف عنصرا آخر للمعادلة للخروج من ورطته هو ما يسمى بـ "الثابت الكوني". لكنه بعد سنوات طويلة أدرك فداحة خطئه العلمي فقال قولته الشهيرة "إن أعظم خطإ ارتكبته في حياتي المهنية هو إضافة الثابت الكوني" ثم أزاله. و هو ما يجعله ضمنيا يعترف ببداية للكون و بالتالي منطقيا بوجود خالق -أو مسبب كما يسمونه- للكون. لكن آينشتاين عاش في منتصف القرن السابق حين كانت النظرية المادية تلقي بثقلها الوهمي على البشرية قبل اكتشاف العالم هابل لتوسع الكون، و طرحه نظرية الانفجار الكبير التي ستثبت أكثر بعد حين باكتشاف الإشعاع الخلفي للكون، و حتى بعد ظهور الأدلة تلو الأدلة عن ضرورة وجود مسبب للكون فإن العالم الشهير ستيفن هوكينغ ظل يدافع عن إلحاده حتى بعد ذلك، إلا أنه احترم العلم و المسيرة العلمية فقال بأن "الكون خلق في لحظة من العدم نعم، و لكنه كان مؤهلا لذلك فخلق نفسه بنفسه"، و أي إنسان عاقل حتى غير العلماء يستطيع أن يرى بأن هوكينغ تفوه بحماقة للدفاع عن إلحاده، هذا العالم الكبير الذي خدم العلم لم يستطع أن يتغلب على هوى نفسه فوقع في ما أساء إليه في الأوساط العلمية، حيث طرح طرحا غريبا و هو أن المادة البدائية بعد الانفجار الكبير وجدت قوانين الفيزياء من جاذبية و قوى أخرى جاهزة فخلق الكون نفسه تبعا لتلك القوانين، و هو ما يسميه "حتمية خلق الكون"، لكن بالعقل أيضا نتساءل مع هوكينغ، ماذا كان حول المادة البدائية تلك، أو كرة الطاقة تلك؟ سيقول هو و أتباعه لقد كان حولها العدم، فنقول ما هو العدم؟ يقول لا شيء العدم هو اللاوجود. فإذن بعملية رياضية بسيطة نتساءل، أين كانت تلك القوى الفيزيائية و القوانين التي جعلت حتمية خلق الكون؟ لا يستطيع أن يقول بأن تلك القوانين جميعها كانت داخل تلك كتلة الطاقة و إلا وقعنا في التناقض، فالجاذبية للعمل بدورها عليها أن تكون خلف الأجسام و ليس داخلها، و بذلك سنتفق معه بأن كتلة الطاقة تلك وجدت قوانين الفيزياء التي تحتاجها من أجل التوسع، و السؤال: من أين أتت تلك القوانين و القوى؟؟ سنصل ببساطة و سنعود للنظرية الأقوى و الأشهر و ه التي تقول بوجود مسبب للكون.

      و الغريب أن أناسا عربا ملحدون دخلت عليهم مجموعة على فايسبوك مؤخرا للاطلاع، فوجدتهم ما زالوا بعد موت آينشتاين بكل هذه العقود الطويلة ما زالوا يتحدثون عن أزلية الكون و يتحدثون عن الثابت الكوني، بينما العالم كله الآن يسلم  بأن هذا الكون له بداية و بالتالي مسبب و إله، و يضللون الجهلة من الناس في غفلة من علماء هذه الأمة و مسؤوليها، و حتى لو وصفناهم بالعناد فلن يصلح ذلك، لأن هوكينغ بعناده لم ينكر العلم للدفاع عن إلحاده، أما هؤلاء فيلغون الزمن و يتوقفون عند بداية القرن العشرين و يعيشون في زماننا، هم اشبه بمن سافروا عبر الزمن من عصور سابقة لكنهم لا يعلمون. إنهم ببساطة مرضى و ليس ملحدون، فالملحد يحترم نفسه و يحترم الحقيقة كيفما كانت، و مصيره للإيمان في لحظة ما حالما يرى الحقيقة واضحة أمامه.
------------------------
محمد الرامي