الاثنين، 13 نوفمبر 2017

القولبة الاجتماعية...


-----------------------------------------

إنهم يريدون نمطا واحدا من التفكير و بالتالي نمطا واحدا من الناس يحكمونه و يستعبدونه، و لذلك ينمطون الأستاذ أولا و يدجنونه و يحولونه إلى آلة فاقدة لأي اختيار، و يبعدونه عن أي مشاركة في القرارات التي تهمه حتى و لو باستشارة بسيطة، يظل يتلقى المذكرات تلو المذكرات  و ينزلها مغيبا ضميره الوطني، و ذلك هدفهم لأنه آلة صناعة مواطن المستقبل و زارع قيمه، و إن نحن طبقا بشكل ميكانيكي و بلا وعي منا بنتائج ما نعمل على إنتاجه، فإننا نشارك بشكل مباشر في هذه الخطة الإجرامية التي تستهدف إقبار التميز و الابداع في هذا الشعب المبدع عبر العصور، و بالتالي نساعدهم على هدفهم في إنهاء أي معارضة لقراراتهم و حذف كلمة لا من قاموس المجتمع، هنا يأتي دور المعلم الحقيقي الذي يحمل رسالة الرقي بمجتمعه و ابناء وطنه و و يتحمل مسؤولية تصحيح مساره، لأنه النجم الأكثر سطوعا بمجتمع يغلفه الظلام، كي يصنع عبر رسالته مواطنا حاملا لقيم المواطنة الحقة و الهوية الأصيلة و الإبداع المتجدد، زارعا فيه مبدأ التفكير أولا و عمق التأمل ثانيا و الاستنتاج السليم ثالثا انتهاء بحكمة اتخاذ القرار رابعا، هذه مهمته قبل أن يحشو رؤوس الأطفال بدروس عقيمة من كل معنى و جافة من كل واقعية..
-----------------
محمد الرامي

الأربعاء، 6 سبتمبر 2017

الأسود يفلتون من فخ النسور في موقعة باماكو..

الكل يتحدث عن صدمة مباراة الأسود المغربية أمام النسور المالية، و لا أحد يتحدث عن سبب هذا التعادل الذي هو بطعم الهزيمة، و هو السبب الذي لاحظه الجميع و لا يستطيع أحد نكرانه، و ساهم بنسبة تزيد عن 50 في المئة في ضعف أداء الأسود اليوم، من يستطيع أن ينكر أن النسور بمكر استدرجت الأسود لساحة معركة مفخخة تحفظها هي جيدا؟ أوليس ذلك الملعب المحفر الذي لا تستقر عليه الكرة أبدا كاف للتسبب في هزيمة ألمانيا أمام مالي؟ الأسود ظلت خائفة على أرجلها من أي التواء يبعدها عن المنافسات في الدوريات الأوروبية و هي ليست مستغنية عن ذلك بأي شكل؟ أليست الأسود ظلت تجري وراء الكرة كأرنب يقفز هنا و هناك مناورا فلا يعلم اللعب عند نزول الكرة أي منقلب ستنقلب؟ من الظلم أن نغفل السبب الرئيسي لنتقهقر في أحكامنا إلى العتاب و اللوم المبالغ فيه، أكاد أجزم و تذكروها جيدا أن المنتخب اليوم لعب ضد الملعب مرتين و مرة ضد المنتخب المالي، و أؤكد مع تواضع خبرتي الكروية أن مباراة اليوم ليست معيارا أبدا للحكم على مستوى الأسود، فهم أفضل بكثير مما ظهروا به و إن كانوا لم يظهروا بالضعف الذي يصوره البعض، يكفي انهم تعادلوا خارج الميدان نع أحد أقوى المنتخبات الإفريقية، و قبل فترة يسيرة كنا نتمتى التعادل بمالي فلا نحصل عليه، و لكن نتيحة النباراة السابقة (6 -0) تسببت في جشع دفين فاق المعقول، فصار التعادل اليوم ينظر اليه كهزيمة تلقى خلاله المنتخب شتى الشتائم الممكنة، لقد كان فعلا فخا صعبا استطاع الأسود الإفلات منه، و اذا افلتو للنهائيات سترون منتخبا تسعدون برؤيته، و تحرمونه، بقيت مباراة بالمغرب لن يضيعها الأسود في ملاعبه المحترمة، و أخرى بكوتديفوار يجتهدون فيها بالحذر لتجنب أخطاء اليوم و اللعب بخطة تناسب خاصية الملاعب الإفريقية المفخخة، فإن تهلوا بعدها سيلعبون في أجمل الملاعب التي تعودوها ليقدموا أفضل العروض. و ثقوا بي لو رأيت غير هذا لقلته و ما من شيمي التزويق و لا المجاملات. مالي منتخب قوي رغم نقصه، و من المنتظر أن يضرب الغابون و كوتديفوار لاحقا و انتظروا ذلك، و المغرب منتخب قوي غير متعود على مثل تلك الملاعب في أوروبا. و حتى إخراج زياش في ذلك التوقيت بعد تضييع ضربة جزاء كان خطأ من المدرب في نظري، لأنه سحبطه و يكسر عزيمته، و لكن من جهة أخرى في ذلك فائدة لزياش و هي كسر غروره اذا ما كان غروره تعاظم بعد المباراة الأولى. و على ذلك الملعب المفخخ أو مثله سيقضي منتخب مالي على باقي المنتخبات بالمجموعة و هو في صالح المغرب طبعا. أكره التبرير و لكني أكاد أجزم أن ذلك الملعب يبرر مستواهم اليوم و هذا من باب الإنصاف، فكفاكم تحاملا و انفعالية بلا اتزان، تريثوا و انصفوا، و استبشروا فما مر لديكم منتخب كالذي يوجد اليوم منذ عشر سنوات على الأقل.
-------------------------------------
محمد الرامي 06 / 09 / 2017

الأحد، 3 سبتمبر 2017

صناع الهلاك..



      لكل متعة تصيبها ثمن واجب تؤديه، و لكل خطيئة تقترفها عقاب تقاسيه، لست من تسيّر الكون على هواك و لا من تدبّر الأحداث كما تشاء، أنت فقط جندي في جيش كبير إذا خالفت الأوامر تعرضت للعقوبة، لست مالك المزرعة فلا تتصرف في محصولها، و لست صاحب المنزل حتى تقتحمه، أنت بيدق على رقعة الشطرنج ليس من حقك أن تميل عن الصف المستقيم، أنت مهرج على حبل السيرك إن حدت عنه عليك تحمل ألم السقطة.. لا شيء بالمجان، لا شيء بلا مقابل، لا تقترف الجريمة حتى تستعد للمحاكمة، اظلم كما شئت و انتظر عدالة السماء، عدالة الخبير العليم، تمتع كما شئت و توقع أداء الثمن الواجب عليك.. اقتل، ازن، اسرق، اظلم، فأنت فقط تشتري بضاعتك المغلفة، بعد قليل تفتح العلبة لتعلم ما اشتريت، أنت فقط تزرع محصولك، بعد حين عليك حصاده و استهلاكه..

      في خضم حياتنا و نحن نعيشها، كم ننسى حقيقتنا و نضل وراء رغبات أنفسنا، و نغرق في تلبية طلباتها المتمردة، حتى إذا أصبح الفجر و انجلت الغشاوة، و صار البصر حادا، رأينا أثر خطواتنا يتبعنا من داخل النفق المظلم ليشهد على مسيرتنا، نجدُّ كثيرا لتحقيق طموحات دونية، فندمر في طريقنا كل جميل، ليس من عمى نظر و سوء بصر، و لكن من عمى قلب و سوء بصيرة، نحطم القلوب و ندوس المشاعر كطاحونة بلا قائد، و نبني جسورا واهية من ورق الأشجار عوض أن نشيدها من الأشجار، و في غفلة منا نصدق كذبتنا و نثق في جسورنا، و بقدر محتوم ننسى حقيقة ما شيدنا ثم نعبرها بكل ثقة لنهوي معها إلى قعر الوادي السحيق، ركاب سفينة نحن نخرقها، سكان غابة نحن نحرقها، فلا نحن من حقنا أن نشتكي و لا الحياة تأسى على مصيرنا، صناع فوضى تكوّنوا في مدارس الغواية و الشيطان، و عباد آلهة تعددت بعدد الموجودات و الكائنات، يهزنا ذكر رغبة عابرة و لا يهزنا ذكر الحي الذي لا يموت...

      تتخذ الحقيقة في حياتنا ألف وجه و ألف معنى، و يتخذ الزور ألف معنى و ألف اسم، فقط لنبرر طغياننا الفاضح، و نصوغ لجموحنا البدائي، الذي يتلون كل لحظة بلون يناسب الموقف، فنضيع بضياع الحقيقة و نتلون بألواننا المتغيرة، لنرضي غرورنا المتعاظم، و نخفي النار المشتعلة دون انتباه لدخانها الذي يملأ السماء.. فكيف لنا أن نحدد هويتنا و وجودنا و قد صرنا ألفا كحقيقتنا، و صرنا ألفا من المعاني و الأسماء، كيف نستطيع تحديد مكاننا و قد أصبحنا نستوطن كل الأماكن، كيف نواجه مصيرنا و قد شاهت وجوهنا يوم شوهنا حقيقتنا و سودنا وجهها.. لم نضيع في حقيقة الأمر كل الحقائق بل ضيعنا واحدة فقط هي حقيقتنا، أما القيم و المبادئ و باقي الحقائق الكونية كلها ما زالت تحتفظ بوجهها المشرق منذ الأزل، لها اسم واحد و معنى واحد و وجه واحد، فصرنا المخلوق المشوه الوحيد في هذا الكون، و شوهنا كل شيء اقتربنا منه أو لامسناه، وباء لا دواء له، فشلت كل قوى الطبيعة في إبادته، فيروس أصيب بسعار فلم يعد يتكاثر بانتظام كباقي الفيروسات، ميكروب يفني نفسه بنفسه، و يشكو صبر ضحاياه و جلدهم أمام اعتداءاته المستمرة بلا تعب أو كلل، ناقوس خطر مرتعب من صوته..

      لا شيء سيخفي حقيقتنا يوما مهما راكمنا الاغطية، و لا شيء سيغير حقيقة الوحل الذي صنعناه و غرقنا فيه، فنحن مسؤولون عن كل ما نعانيه، ما اقترفناه عبر السنين من خطايا، يعود إلينا مرة أخرى في شكل جديد، بعد تفاعله مع خطايا الآخرين، نرد الدين وافيا في عدالة الملك الديان، فنحن من ظلمنا، قتلنا، زنينا، سرقنا، قطعنا أرحامنا، كذبنا، زوَّرنا، خُنَّا، غدرنا، خدعنا، سطونا على ما ليس لنا، و لبسنا الأقنعة المتنوعة، و سابقنا الحرباء في تلونها، فنحن المسؤولون عن كل ما نعانيه، و مسؤولون عن كل ما نقاسيه من مشاكل و ضنك و حروب و فزع و خوف و تشرد و قلق و اضطراب، نحن جلبنا كل ذلك لأنفسنا بضعف منا أو بطغيان، و بنينا هذا السجن العملاق من حولنا حتى اختنقنا بضيقه، نحن حاصرنا أنفسنا بجيش من صورنا المزورة التي ترمقنا بأحقر النظرات و تحاكمنا بأقسى المحاكمات، فلا يحق لنا بعد هذا أن نتساءل كيف أو لماذا وقع هذا، لا يحق لنا أن نطالب بالعدالة الإلاهية لأننا سنكون أول من تقع عليه فتهلكه، لا يحق لنا أن نحتج أو نغضب للظلم الذي نتعرض له فنحن الظالم و المظلوم، لا يحق لنا المطالبة بتغيير واقعنا ما لم نغيره بأنفسنا، "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
----------------------------
محمد الرامي 03 / 09 / 2017

الخميس، 24 أغسطس 2017

الغيرة بين التعبير عن الحب و التحكم؟!

----------
هل يمكنك التوقف عن الغيرة؟ أعتقد في رأيي أنك عندما تتوقف عن الغيرة فأنت تتوقف تلقائيا عن الحب، لأنهما متداخلان بشكل كبير و مترابطان جدا، بل الغيرة تعبير عن الحب، لكن متى كانت الغيرة مشكلة؟ في اعتقادي أن الغيرة لم تكن يوما هي المشكلة لأن الإنسان تعايش معها منذ ظهوره و مذ عرف شعور الحب، فحتى الطفل الصغير يغار من أخيه، و الأب يغار على ابنه من أمه و العكس، فالمشكلة إذا ليست في الغيرة في حد ذاتها، بل في الإفراط منها، عندما تتجاوز الحد الأقصى المسموح به، و معروف أن كل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده، و كلما تجاوزت الغيرة الحد أصبحت مزعجة، و تحولت إلى قلق و ارتباك و وسواس قهري يشقي من يعيشه، المحب و المحبوب معا، و بالتدريج تسير الأمور نحو تدمير الثقة ثم المحبة ثم الاحترام، لأنها ببساطة تتحول في لحظة ما إلى نوع من التسلط و التحكم في الآخر و الحجر على تصرفاته، و حينها إما يتفهم الطرف الآخر تلك الحساسية المفرطة و يحاول تجنب إثارتها و التعايش معها في صبر، و هذا لن يطول كثيرا، أو يستاء و تظهر عليه ردود أفعال عصبية مليئة بالاستهجان و الرفض، فالأمر كله إذا منوط بالمدى الذي يسمح لنا فيه الطرف الآخر بالغيرة، و هو مدىً غير ثابت طبعا و إنما متغير من شخص لآخر، كما لا تعبر الغيرة الشديدة عن الحب الشديد دائما، بقدر ما تعبر أحيانا عن شعور التملك الذي يعشش بداخلنا، فالغيرة كرد فعل من المفروض أن له دواع و أسباب مقنعة و واضحة، و هذا ما يفتقده الغيور أحيانا فتظهر غيرته كنوع من الوصاية و الحجر و التحكم، و جميعا لدينا قليل أو كثير من ذلك، و لو أردنا تأطير شعور الغيرة وجوديا فسنجد أنه شعور طبيعي، بل غيابه دليل نكسة إنسانية خطيرة، و نحن كمسلمين قرأنا عن غيرة الله تعالى على محارمه، و غيرة النبي على زوجاته و على حدود الله، و لنا تراث يضع الغيرة كشعور يفرض نفسه فرضا في المجتمع ليحافظ على اتزانه، فهي إذا شعور عادي، و المشكل كله في تجاوزها للحد المسموح به من الطرف الآخر... يتبع
-------------------------------------------
محمد الرامي 24 / 08 / 2017

الخميس، 1 يونيو 2017

الخطوط الخضراء و الحمراء في موقفي من أحداث الحسيمة


بعد دردشات و مراسلات على الخاص خلال الفترة الأخيرة مع أصدقاء و معارف و ناشطين، تردد ضمن الحوارات سؤال حول موقفي مما يقع بالحسيمة و مع من أكون، حيث نأيت بنفسي منذ مدة عن كل ما يتعلق بالسياسة وطنيا و دوليا، بعد ما عانيت بسببها في مرحلة ما من ضغوط شديدة كانت سببا في أزمات نفسية ساعدتها شخصيتي الانفعالية، و لمست في حديثهم تخوفا كبيرا على الجانب الأمني و ما قد تؤول إليه الأوضاع إذا تطورت للأسوأ، و أرى الآن أنه من واجبي مشاركة موقفي الرسمي مما يقع و التعبير عنه بوضوح:
إن ما يقع في الحسيمة حراك شعبي مشروع لأهل الحسيمة و كل المغاربة المهمشين و المحرومين من حقوقهم التي تكفل كرامتهم كمواطنين، و أنا أدعم بكل ذرة مني أي مطالب اجتماعية و اقتصادية و أطالب كل المغاربة بالوقوف بجانب إخوانهم بالحسيمة و دعمهم ماديا و معنويا حتى تحقق الدولة مطالبهم، و ليس من حق الدولة أن تسيء معاملتهم و لا تقمع حراكهم لأنها تخلت عن واجبها يوم همشت مدنا بأكملها و تركتها للهشاشة و الفقر، و أي تدخل ظالم اليوم مرفوض و هو فقط سيصب الزيت على النار، و ليس المغربي عبر التاريخ من يُحْكمُ بالقوة و القمع، و لنا في تاريخنا العريق عبرة و فائدة، كلنا سنقف مع الحسيمة للمطالبة بالحقوق المشروعة لأهلها و لكل المغاربة الطامحين لحياة كريمة في وطن يسعُ الجميع و ينصف الجميع، لكني بالمقابل أرفض أي انفلات أمني للمحتجين و أي خروج عن السلمية، و أي نزوح لمواجهة الدولة بالعنف يعتبر فوضى و شغب، من حق الدولة و من حقي أنا أيضا و كل مواطن مسؤول أن نهُبَّ جميعا لمواجهته و التعرض له، ليس دفاعا عن الدولة و لا خيانة للمحتجين و لكن حماية للمكتسب الأول و الأعلى للمغاربة و هو الأمن، مهما كانت صعوبة العيش و المعاناة الاجتماعية، فتحقيق المطالب يمر عن طرق السلمية حتى لو كان طريقها أطول فهو الخيار الصحيح، و أي خيار ينهج العنف هو خيار يجب علينا مواجهته، سواء كان من الدولة أو من المحتجين، لأننا نتعامل هنا مع خطوط حمراء غير مسموح لأحد بتجاوزها، أحدها هو الأمن القومي للمغاربة أجمعين، فحتى في ظل غضبنا من هذه الدولة المتخاذلون مسؤولوها عن واجبهم، و التي طالما عبرتُ عن استيائي من الفساد المستشري في إداراتها و سياساتها، و عزمي محاولة إحداث تغيير بدواليبها يوما يرتضيه المواطن الشريف، سأظل مخلصا للوطن و حماية وحدته و أمنه العام، فلا نخلط بين الوطن و الدولة، سيعتقل شباب و يسرح آخرون، و واجبنا جميعا دعم كل المعتقلين ظلما و المطالبة بسراحهم، و المطالبة بحوار جدي مع المسؤولين، و القيام بخطوات تصعيدية عند تماطل الدولة، فأنا أؤيد ذلك و أقف مع ذلك و لا أثق في أن الدولة ببساطة ستنزل لطاولة الحوار، لكن أبدا لن أسمح كمواطن بأن يمس الأمن العام أو ينتهك تحت اي مطالب كانت، لأنه المطلب الأكبر و المكتسب الذي لا يختلف عليه مواطنان شريفان، و هو المطلب الوحيد إلى جانب مطلب الوحدة الوطنية اللذين قد أقف بجانب الدولة لحمايتهما، فلن نقبل أبدا بأي مطالب سياسية تستهدف وحدة الوطن أو استقراره أو أمنه العام، غير ذلك فأنا مع المواطن فقط، حتى تتحمل الدولة مسؤولياتها و تصحح أخطاء عقود مضت من الفساد الذي مس بحقوق أساسية لنا جميعا، كما لا أقبل بأي ظلم او قمع تنهجه الدولة ضد أهل الحسيمة أو غيرها، و لتحقيق المطالب علينا جميعا دعم أهل الحسيمة و تكثيف الضغوط على الدولة لإقناعها بأننا جميعا شعب واحد و مطالبنا واحدة، و لا حل سوى إعادة تأهيل كل المدن المهمشة و تنميتها اقتصاديا و اجتماعيا في آجال محددة، تحت راية واحدة و في ظل الأمن العام و خيار السلمية و الحوار.
-------------------------
محمد الرامي

السبت، 20 مايو 2017

الانفصاليون الحقيقيون..

كفى من أسطوانة ترهيب الشعب بتهمة انفصاليين او متمردين او مشاغبين، نحن نعلم و أنتم تعلمون أن هذا الشعب غارق في الوطنية و حب الوطن عند قاعدته أكثر مما هو عليه عند أعلاه، و كلما صعدنا نزلت قيمة الوطن مقابل المصالح الشخصية، و الجميع يعلم أن أكبر انفصالي هم من انفصلوا عن الشعب و همومه و تطلعاته، كلنا نعلم أن الدولة اليوم ليست بأيد أمينة، فهناك من يسرقها غصبا من هذا الشعب ضدا على رغباته، و حتى لما وضعناها بآخر فرسان طروادة السي بنكيران جنيْنا فقط زيادات في المعيشة و مساس بالأجور و محاربة الفساد بمحاربة جيوب بسطاء الشعب عوض المساس بشعرة واحدة من المفسدين الحقيقيين الذين يعرفهم الجميع، ليس تواطؤا منه طبعا و لكن خوفا من أذرع تلك الأخطبوطات التي ظنها تماسيح، تجنبا لسيوفهم الطويلة و ليس جهلا بهم.. و اذا كانت تهمة الانفصال ثابتة لا محالة فعليها أن تثبت على كل الكرماء من هذا الشعب، الذين يرغبون في الانفصال عن الفساد و المفسدين، الذين يرغبون في الانفصال عن التجهيل و التفقير و التهميش و التحقير،  الذين يرغبون في الانفصال عن ناهبي المال العام ممن يتجولون بوجوه مكشوفة في شوارعنا بعد ثبوت التهم عليهم، كلنا انفصاليون بهذا المعنى. و لئن كان هذا انفصالا فَلَلْمَغاربة جميعا عليهم الانفصال و الحراك لاستعادة دولة سرقها المفسدون. و نعلم أيضا أن هناك جهات تحاول الاستفادة مما يجري بالحسيمة، و تغذي الغضب ليس حبا في أهل الحسيمة و لكن لحاجة في نفوسهم، أحزاب فاشلة تجرعت مرارة السقوط في الانتخابات تحت ضغط الصناديق، نعلم بذلك و نحذر منه لأننا لا نريد تونس جديدة و لا مصر أخرى، و لا نريد أن تقوم الفوضى لإعادة أحزاب فاشية فاشلة فاسدة لفظتها الصناديق فعادت عبر استغلال هموم المواطن المقهور. بل نحتاج لحراك وطني سلمي لمعاقبة الفاسدين دون السماح لهم بتوجيه عجلة الحراك ليخدم مصالحهم. نريد حراكا يطهر الدولة من الأخطبوطات و يؤسس لحكومة من أبناء الشعب الأكفاء الذين يهتمون فعلا لمصير الدولة اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا تحت ظل ملكية متفهمة مساندة. و لا مغرب للأمام خارج إطار الملكية مدعومة بحكومة ذات صلاحيات موسعة.
------------------------------
محمد الرامي

الثلاثاء، 21 مارس 2017

طامَّة العصر: الجهل باسم العلم..

      أشعر بالاستغراب و الأسف الشديد حين أناقش مع أحدهم ضلال العلوم و خداع البشر على يد الناسا و الإعلام الموجه، فيبادر للدفاع عن حقيقة تلك العلوم، و تجده مستعدا للقتال عن صدقيتها، و يبدأ بسذاجة في الاستدلال بما قاله العلماء، العلماء الذين لم يعرفهم و لا يعرفهم أحد، و لكنه قرأ أو سمع بذلك في مكان ما، ثم يبدأ في إخباري بأن العلماء قاموا بتجربة في سويسرا أو أمريكا أو لا أعلم أين كأني أجهل الجاهلين. و أظل أوضح له أني طالما آمنت بما يُرَوَّجُ له على أنه حقائق علمية و اكتشافات، و كنت موقنا به و منبهرا أيضا في مرحلة ما، و لكن تكوين عقلي النقدي و التحليلي قادني في النهاية إلى اكتشاف أهم و أعظم، و هو أن أزيد من 80 فالمئة مما هو منتشر باسم العلم لا يعدو ضلالا و أكاذيب ينخدع بها حتى من يمارسون العلم ببلداننا المتخلفة و يصبحون بدورهم منارة جهل لأمتهم عوض أن ينيروا طريقها. و أحاول جاهدا أن أوضح له على أن هناك أشياء حقيقية لا يسعني تكذيبها أو نكرانها، كما لن أقبل على نفسي بأن أقضي حياتي كلها مؤمنا بنظرية علمية أو افتراضات علمية ليطلع عليَّ عالم في أواخر عمري كي يفنذها و ينسفها و يضع مكانها نظرية جديدة. فأكون قد قضيت عمري مؤمنا بالوهم و متحدثا بالوهم. كما أظل أبين له -و هو العارف مسبقا- أني من أشد محبي العلوم و أخصص وقتا طويلا في القراءة عنها و مشاهدة البرامج الوثائقية المتنوعة. و هو بالضبط ما أدى بي في النهاية إلى أني كفرت قبل سنوات بكل ما يرُوج حول العلوم النظرية ما لم يثبت فعليا و يُختبر على أكثر من مستوى و على يد أكثر من فريق علمي معروف و بالتوثيق. و أخبر محدثي بأن علوم الفضاء تبقى مجرد نظريات و افتراضات أغلبها أكاذيب و افتراءات. و أننا لم نتجاوز غلاف الأرض بعد و أن كل تلك الأفلام الوثائقية حول الكون و المجرات و النجوم البعيدة و غيرها إنما هي أفلام ثلاثية الأبعاد توضيحية لافتراضات بعيدة كليا عن الحقيقة. و أنه مهما قاموا بتجارب في جامعات و مراكز علمية لا يعدو ذلك محاولة بعيدة عن الحقيقة، جاء كلامي هذا في سياق حديثه عن تجربة بسويسرا حول الثقب الأسود. التجربة الأكثر غرابة بصراحة. يا رجل! الثقب الأسود؟! هل يملكون حتى عُشُرَ المعلومات اللازمة للقيام بتجربة من هذا النوع؟ و كأن لديهم المعطيات الكافية لفعل ذلك! و أحاول إعطاء عشرات الأمثلة المنطقية فقط ليفهم على أن المنطق البسيط كاف ليرفض عددا هائلا من الادعاءات المتناقضة تحت مظلة العلوم، فلا يكلف محاوري نفسه سوى أن ينعتني بالمخالف ليعرف، أو المتخلف عن العلوم، ثم يستدل لي بعلماء دين يقولون بثبات الأرض و بانبساطها خلافا لما أثبته العلم. رغم أنه يعلم أن معلوماتي العلمية كبيرة جدا مقارنة بما لديه لدرجة أني نذرت وقتا خاصا لحفظ الجدول الدوري عن ظهر قلب ثم انطلقت لمعرفة أسرار الكيمياء في تعلم ذاتي مستمر يغريني كل لحظة. و المسألة كلها بدأت بموقف بسيط لكنه قاس جدا، حين تحدث عن الجاذبية الأرضية فصدمته بسؤالي: ما هي الجاذبية؟ فضحك ساخرا و تركته مصرا على سؤالي بهدوء، فعجز مع الدقائق عن إعطائي أي تفسير سوى أنها قديمة و العالم كله يعرف الجاذبية و تم حساب قيمتها رياضيا و و و، فاخبرته انها مجرد نظرية لا أكثر و لا نعلم حتى الآن ما الذي يشدنا للأرض فعلا. و تلك القيمة التي يتحدث عنها إنما هي قيمة مرتبطة بكتلة الجسم لحظة سقوطه أكثر مما هي تعبر عن شيء فاعل يقوم بجرنا إليه، فبدأ يدافع عن أن مركز الأرض و النواة و المعادن و غيرها، فأخبرته أن البشر بكل تقدمهم لم يتجاوزوا بعد أكثر من كيلومترين على الأكثر تحت الأرض، و كل تفسيراتهم لما يحدث أو يوجد في باطن الأرض هو مجرد افتراضات لا دليل على صحتها. فقال لي كأنك تقول بأن الرياضيات مجرد نظرية؟ طبعا جملته التشبيهية فيها نوع من السخرية تجاوزتها، و ألقيت إليه الصدمة الثانية، و قلت له بأن الرياضيات مجرد أداة و آلة ابتكرها الإنسان لحل عدد من مشاكله الكثيرة، و تفسير ظواهر تحدث من حوله يضع لها علاقات لتذكرها لاحقا، فالرياضيات لغة متطورة فقط بقدر تطورنا و لا تضيف شيئا للعالم، فهي اختراع عظيم لكنه لا يستطيع التعامل مع كل شيء، و أنها لا تنفك تتطور بتطور حاجات البشر و الحاجة أم الابتكار. فبدأ محدثي يفقد صوابه حينها، ما جعلني أشعر بصعوبة تواصلي و إياه لبعد المستويات التي نتحدث من خلالها، فهو كما لو يتحدث بلساني قبل سنوات، لذلك أنهيت النقاش مستغربا للدرجة التي قد يؤمن بها البعض بامور لم يختبرها يوما و لا دليل لديه عن حقيقتها غير كتابات تبدأ بعبارة: أكدت وكالة ناسا، أو عبارة اكتشف العلماء، أو عبارة قام فريق من العلماء بدراسة أو بتجربة... يا سيدي إننا نعوم في بحر مظلم اسمه العلوم، فنحن نشرب الجهل يوميا باسم العلم، و استعبد عقول و قلوب البشر إله جديد اسمه ناسا، مع العلم أنه على الأقل ما دام العلماء نزلوا على سطح القمر قبل أكثر من 50 سنة حين كانت العلوم متخلفة عن الآن، فلم لا يعودون إليه اليوم مع كل هذا التقدم؟! إنهم يا سيدي لم يغادروا كوكب الأرض يوما، و ما نملك من حقيقة كوكبنا و ما حوله إلا النزر اليسير. فاختر بنفسك العيش في الحقيقة، و تتبعها، أو العيش في الوهم، فأنت تملك قرارك بيدك و ما أنا سوى مهرطق مخرف.
----------------------
محمد الرامي

السبت، 11 مارس 2017

في الجامعة ؟؟


توطئة: ( هذا النص كتب في سنة 2003 بجامعة ابن طفيل و هي اول سنة لي بالقنيطرة، و وزع و نشر على جدرانها بمساعدة الاصدقاء تلته نصوص اخرى). أنشره لكم دون تنقيح من الأرشيف.

 
 لا نستطيع أن نقول أن في العالم أحدا لا يعرف الجامعة، إلا إذا كان ليس من هذا العالم، و حين ذاك سيكون خير له أنه لم يعرفها، و خير له أن لا يعرفها، و حسبه أن يتصورها معي في هذا النص حتى يعرفها، فهي في الحقيقة اسم على مسمى، لانها جامعة ليس للعلم و الأدب فقط ، و إنما لكل شيء، ففيها قد تعرف معاني الفضيلة و الرذيلة، و ترى مظاهر المجون، و التبرج، و الحب، و السلوكات الفاضحة في أبهى صورها، كما تعرف فيها قيمة المظاهر الخادعة، أما العلم فهو مطلوب لكن ليس بإقبال. أفليست هذه جامعة؟ بلى انها جامعة لكل شيء، للعلم و المنكر، و الخير و الشر، و الفضيلة و الرذيلة، و كل ما قد يخطر على قلب البشر...
      قد كان العلم في الجامعة هدفا تُتَّخذُ لأجله شتى الوسائل، و هذا ما يعتقده الناس حتى في هذا العصر، لكن الواقع يخالف الاعتقاد تماما.. لأن الجامعة اليوم صار لها دور آخر إلى جانب أدوارها الرئيسة، فقد صارت ملجأً لبعض المتطفلين على العلم و العاطلين، مما جعل العلم وسيلة من وسائل بعض الطلبة لغاية إما الهروب من المشاكل الأسرية، أو لبناء العلاقات، و استغلال الفرص النادرة لانعزال الفتاة عن أهلها و حُمَاتها، فتصبح لعبة الاستغماية مثيرة مشوقة بين الفتى و الفتاة، و كل منهما يخدع نفسه بأنه طالب علم و هو طالب لهو، حتى إذا مرت السنوات خرج بإجازة أو بدونها، لكن صفر اليدين على كل حال، لأن العمر مضى و الميزة مقبول. و قد نغض الطرف فنجعل العلم هدفا، فهل يتفق العلم الذي يصنف في قمة الفضيلة مع سلوكات تصنف في قمة الرذيلة. و إنك لتنزل من الحافلة بباب الجامعة فأول ما تقع عليه عيناك أن ترى أغلب الطلبة و الطالبات، قد تحولوا جميعهم إلى عشاق و عاشقات، فترى أحدهم يجالس إحداهن، و هي واضعة رأسها على صدره، حالمة أنها ستسمع صدى صوت قلبه يحدثها بحبه لها، لكنها لن تسمع إلا ما قد تسمعه أية فتاة أخرى خرجت عن الطريق، و ليس من قلبه و إنما من ألسنة الذين سيزدرونها... و إن سالتها ما رأيها فيما صارت إليه؟ قالت لك "كلام الناس لا يهمني" و على الأرجح أنه يهمها، لكنها فقدت عزتها و كرامتها و فقدت شعورها بالذنب، فتساوت السلوكات لديها، و ربما لا ترى ذلك لكنك سترى أعجب من ذلك، حين تقع عيناك على أنواع جد غريبة من ألبسة بعض الفتيات، قد تتوهم أنها موضة العصر كما قد يقال لك، لكن لا تخدع نفسك، فنحن في بلد عربي إسلامي و تلك ليست ثقافتنا...
      إن الجامعة اليوم، إنما هي كما ذكرت، و لا تنافس أبدا تلك القيمة التي اكتسبتها جامعتي الأزهر و القرويين، اللتان أنجبتا لنا، أدباء و أعلام لا حصر لهم. أما هذه، جامعات اليوم، فهي لا تنجب لنا سوى أطفالا مشردين بدون آباء، و تنجب لنا أغرب و أقبح قصص الحب أو الجنس على الأصح، فهل سنرضخ لهذا الواقع أم نغير ما استطعنا تغييره، قد يعود البعض إلى كلمة الحب، فيتخذه عذرا يتخفى خلفه كالنعامة تخفي رأسها و هي ظاهر كالجبل للعيون الناظرة. على أنه في هذا كله يجهل معنى الحب العذري و الروحي، الذي ليس بيد البشر، وإنما بيد الله، و هو حب ليس من ورائه قصد غير الحب و الوصال الأبدي، و هذا لم يعد موجودا للاسف... أما معنى الحب في نظر هؤلاء الشباب، فهو طريق تتخذه الفتاة للزواج فلا ينفعها، لأنها تحب برغبتها لا بقلبها فلا ترى أن الذي تخدعه إنما يخدعها هو الآخر، و أنه هو أيضا اتخذ نفس الطريق لبلوغ غايته الغريزية و إشباع لذته منها، ثم ينفض يده منها كما ينفضها من التراب إذا علق بها، فهل سنسمي هذا حبا؟ كلا إن الشباب اليوم تحجر قلبه فلا يستطيع أن يحب. لانه ورث عن الحضارة الغربية، كل ما تتميز به من موضة في الألبسة وموضة في العلاقات الإنسانية، فتعلم منها أن العلاقة إنما تبنى على المادة و المصلحة، و ليس على العاطفة الانسانية، فهل سيصون الفتاة من اتخذها طريقا للهوه و عبثه. كلا فعليها أن تصون نفسها بنفسها، و هي التي تملك أن تحمي شرفها من عبث العابثين و لهو اللاهين، لأنها هي صاحبة الرفض أو القبول، فإما أن تضع حدا لشرفها، و إما أن تضع حدا لمراودها عن نفسها و عيناه تشتعلان نارا. و لم أتخذ الدين طريقا لهذا النص لأنه ديننا الحنيف و لا يوجد بيننا من يجهل الحلال و الحرام، و إن كان الإسلام لديه من الأدوات الزاجرة لأن يضع حدا لما نحن فيه، و لكن أين نحن و أين الاسلام؟ فهو كالعباءة تُلبَس عند الحاجة، و تهمل عند الملل، إلا أن الإسلام في غنى عنا و يفرض نفسه بنفسه. فهناك فتيان و فتيات و الحمد لله أشراف، طلقوا الدنيا و بيوتهم خصيصا من أجل العلم، وهم بأخلاقهم قد يصلحون الآخرين، لكن ما العمل لو أفسدهم الآخرون، لهذا اتخذت الأخلاق طريقا لنصي هذا، لأن الإنسان إن استطاع أن يتناسى دينه و إيمانه فهو لن يتناسى أخلاقه لأنه مراقب عنها أمام الناس، و كل سلوك يقوم به إنما يستحسنه الآخر أو يستهجنه، و بحكم أن المظاهر هي الطاغية على إنسان اليوم فحري به أن يكون عند حسن ظن الآخرين، و هو في ذلك مخير بين الفضيلة الرذيلة. و ما خلدت الأسماء الخالدة في الدنيا، إلا عن طريق الفضيلة، في أي مجال من المجالات تخصصت...
---------------------
محمد الرامي 2003 جامعة ابن طفيل. (دون تنقيح)

السبت، 18 فبراير 2017

آنستي..

توطئة: (هذا هو النص الثاني الذي كتب و وزع بجامعة ابن طفيل بين سني 2003 و 2006، بعد النص الاول "في الجامعة" و شارك في توزيعه عدد من الطلبة على نطاق واسع)


آنستي:
      بادئ ذي بدء أطلب منك أولا و قبل كل شيء، أن لا تسالي أحدا حتى نفسك عمّن أكون؟ و لا ماذا أكون؟ و لكن تساءلي فقط عما أريده؟ لان السؤال الاخير هو هدفنا المشترك. و قولي عني بعدها ما تشائين. قولي متزمت،قولي رجعي، قولي متخلف،قولي ، قولي، قولي... لن اعترض،لاني اكثر من متفتح، و اكثر من تقدمي ـ في حدود الممكن طبعا ـ و اسير ربما بخطى خلفية، لكن حتما الى الامام، و كل ما قد تقولينه اعرفه لانه قد قيل لقبلي من غيرك،و لست من دعاة التشبث بالتقاليد، كما لست من دعاة التقليد.
آنستي:
      قد اكون ثرثارا بالنسبة لك، لكن ثرثرتي ـ على الارجح ـ ليست برميلا فارغا في مهب الريح، و لا هي ذاك السراب الذي تراه القوافل العطشى في الربع الخالي، إنما ثرثرتي على الاقل ـ إن لم تكن مصلحة، فهي ليست مفسدة، و هي حتما لا تحتاج الى مباركة سعد زغلول، كما لا تحتاج الى رضى محمد عبدو، و هي ايضا ليست بالصعوبة التي تدفعني الى تبني افكار شاذة، لأنها ثرثرة معروفة يعاد تكرارها كلما اشتاق أحدنا أن يثرثر إذا ما وجد مستمعا مهذبا. و لست أكره الآن أبدا أن تكوني لي ذلك المستمع المهذب، لن تخسري شيئا، ناقشيني فقط، و أقنعيني إذا لم تقتنعي، و أجيبي فقط على بعض الأسئلة التي سأطرحها، و لا تخشي شيئا، فأنا لن أكلمك في الدين، و لن أسرد عليك آيات و أحاديث من أوجب واجباتك أن تكوني عليمة بها. لأني لا أريد ان ألبس عباءة أكبر و أوسع مني، و لا أحب أن أكون واعظا ما دمت لست قادرا على إحصاء ذنوبي و خطياي، لكني سأكلمك كصديق إذا كانت تؤثر فيك الصداقة، أو كأخ إذا تحترمين الأخوة، أو على الأقل كإنسان يهذي فأعجبك من كلامه ما أعجبك فأخذته، و كرهت باقي كلامه فتركته...
آنستي:
      قد يكون اسمي هو فلان و أنت اسمك فلانة، و قد أكون من سكان الشمال بينما تكونين من سكان الجنوب، كما قد أكون جنسا مختلفا تماما عن جنسك، و قد أكون و أكون، لكننا معا نَكُونُ إنسانا و واجبنا هو النهوض بهذا الاسم نحو أسمى القيم الأخلاقية، و لا بد لإتمام ذلك من التعاون الكامل و اللامشروط بين كلينا للوصول معا إلى الهدف المشترك.. الإنسانية...
آنستي:
      قيل قديما فيما قيل في تصنيف الإنسان، أنه حيوان ناطق، و أنه حيوان رامز، و أنه حيوان اجتماعي... و أنه حيوان عاقل، طبعا قد تؤمنين بهذه المسميات، لكن اعلمي أن الببغاء ينطق، و أن النحل يرمز، و النمل اجتماعي، و القرد سياسي، لكن أحدا من هذه الحيوانات ليس عاقلا، و لذلك سمي الإنسان إنسانا ما دام يعقل و ينسى، و لم يسمى بالحيوان العاقل إلا في عهود الفلاسفة. و لا بد أن هذه المادة النشيطة في جسد الإنسان ـ العقل ـ لم تخلق عبثا أو من قبيل الصدفة النادرة، و إنما هي حاسوب دقيق يفصل بين الخطأ و الصواب، و يؤهلنا لأن نكون حقا إنسان و ليس حيوانا مهما زوقه الفلاسفة، و إن نعطله فإنا نحرم أنفسنا من أهم ميزة نتميز بها عن باقي المخلوقات، لأن واجبه الأول هو تحديد مدى حرية كل أنسان، و تحديد النظام الخاص بعقلنة الغرائز و ضبط الشهوات في حدود المسموح به أخلاقيا...
كيف ستردين علي إذا سألتك ما هي نهاية المطاف؟ قد ترين أنها الزواج، هل هذا كل طموحك من الحياة؟ قد ترين أنها المتعة، هل تستمر المتعة؟ أين روح التحدي التي تتميزين بها؟ أم أن روح التحدي لديك لا تظهر فعاليتها إلا في نزع الحجاب، و في جلب أكبر عدد من الرجال حولك؟ أنت تعرفين أن الرجل أحيانا يقدس الشرف، لدرجة أن تسمعي عن بعض الذين قتلوا زوجاتهم أو أخواتهم أو... و مع ذلك فهو لا ينفك يحوم حولك رغبة منه أن تسقطي في حباله، و البقية تعرفينها، فكيف يَصْدُقُ من يرضى لشريكة حياته ما لا يرضاه لأخته؟ لماذا تذوب روح التحدي هنا؟ أَوَصَلَ بك الضعف الى درجة أن تتحكم فيك غريزة فطرية؟ أليس من واجبك أن ترفعي صوتك عاليا، فتقولي: أيها الرجل الكاذب، ليس هكذا تكون حماية الشرف، بل هكذا، و تعلميه أن شرف أخته يساوي شرف أي امرأة، ما دام للأخريات إخوة مثله، كيف ترضين لنفسك أن تخدعي؟ نعم قد تجيبي على أن هذا ينطبق أيضا على الرجل، و أنه هو أيضا عليه من الواجب مثل الذي عليك، لكن اعلمي أنه ليس خاسرا ماديا شيئا كما هو الحال بالنسبة لك، لكنكما معا خاسران أخلاقيا و إنسانية... ظللت تخدعي و تخدعي، و كنت أحيانا تنجين، و أحيانا أخرى قليلة كنت تواجهين بالرفض، لكنك غالبا ما كنت الضحية فأذيع المثل القائل بأن الرجل خلق ليكذب، و المرأة لتصدق، إني لأتصورك الآن في كبريائك تكادين تذرفين الدمع حسرة و تستفيقين من هذا السبات الذي أطمع فيك مرضى القلوب، فأصبح بعض الرجال أكثر تفننا في الخديعة، لدرجة أن يرصعها بكلمات سحرية، كالحب، و الوفاء، و الاخلاص، و العشق حتى الجنون، فما تنفكين تبدئين تحلمين، و تعرجين السماء و تحلقين، و لا تستفيقين إلا و قد ألمت بك الفاجعة، و ألم بك الندم، بعد أن لا يعود نفع لهذا الندم...
آنستي:
      تذكرين كم كنت مشتاقة في حجابك إلى كلمات قاسم أمين؟ و تذكرين يوم نزعت الحجاب أمام الثكنة العسكرية الإنجليزية في مصر؟ و تذكرين يوم دخلت الجامعة؟ و يوم جربت أول علاقة مع شاب؟.. كانت أفكار قاسم و ليس بأمين تدفعك خطوة خطوة نحو التحرر، نحو الإنطلاق اللامحدود، و كنت تستجيبين بسهولة، و ها أنت قد حصَّلْتِ ما تريدين: الحرية، أن تكوني طالبة جامعية، أن تقيمي علاقات مع الشباب، أن تلبسي موضة عصرك، و عرفت و لا بد نهاية المطاف، عرفتِ معنى الضياع، و معنى الفراغ، و عرفت كيف أنك بعد كل هذا تخرجين المنهزم الأكثر خسارة، فلا أنت ظللت على خلقك أنثى، و لا أنت ساويت الرجل في أفكاره و قناعاته، فإن ترضين لنفسك هذا فأنت و الله تحتقرين نفسك و تجمدين ما لديك من قدرات، تستطيعين بواسطتها أن تحققي ذاتك في هذه الحياة.
آنستي:
      نحن نعيش معا في أدغال مليئة بالأخطار، و ليس في الجمهورية الأفلاطونية الفاضلة، و القيم و الأخلاق لا شاملة و لا قارة، و الخطأ عندنا أصبح بالجملة، و لا يسهل علينا أبدا عد أخطاءنا في اليوم الواحد، مما يحتم علينا بذل المزيد من الجهد، بل و مضاعفته إلى أقصى حد لتجاوز ما يمكن تجاوزه في هذه الحياة التي لا تعدو أنها مجرد أحراش يصعب اختراقها دون قوة علوية أو عصى سحرية. و أنا أدعوك معي إلى الإنسانية

-----------------------------
محمد الرامي: جامعة ابن طفيل بالقنيطرة 2003.