الأحد، 9 سبتمبر 2018

تأملات و أفكار (1) ..


      جلست في صالون منزلي على الأريكة أرتشف من كأس الشاي على الطاولة الدائرية قربي، أشاهد برنامجا تلفزيونيا وثائقيا حول "مفهوم الزمان"، هذا المكون الكوني الذي له اتجاه واحد مستقيم ينتهي بنهاية مجهولة، هناك مكونات أخرى تزيد و تنقص، تتطور و تتدهور، و هناك مكونات لها اتجاه واحد، غالبا المكونات الأخيرة تكون مرتبطة ببعضها ارتباطا وثيقا، و تتجه نحو نقطة مشتركة، الفضاء يتوسع على الدوام و لا يتقلص أبدا، إذا تقلص تكون النهاية، و الزمن لا يعود للوراء أبدا، إذا توقف فتلك هي النهاية، ليس كالحرارة التي تزيد و تنقص، و لا كالمشاعر التي تزيد و تنقص.. هذا هو الفرق بين مفهومي الثابت و المتغير، فالثابت يمكن قياسه و وضع قوانين عامة له، أما المتغير فلا تحكمه القوانين و القواعد..

لم تكن هذه المعاني موضوع البرنامج و إنما أفكار راودتني و قد سرحت في المعاني المختلفة أقلبها و تقلبني.. رشفت رشفة أخرى بينما التقطت أذناي عبارة "الأبعاد الخمسة عشر"، هاجمت الأفكار عقلي مجددا حيث بدأت أتساءل عن ماهية هذه الأبعاد الكثيرة و كيف صنفها من صنفها على أنها أبعاد، كل ما أعرفه هو أربعة أبعاد فقط هي أبعاد المكان الثلاثة الطول و العرض و العمق، و البعد الرابع هو بعد الزمان، حيث لا يمكن التحدث عن أبعاد المكان إلا في زمان محدد، لأنه بعد مؤثر بشكل رسمي في كل جوانب الحياة، بل في الكون كله، إذا تحدثنا عن حجم الكون قبل ألف سنة، حتما سيكون اليوم بفعل عملية التوسع ذا حجم أكبر، و الفاعل الرئيسي في هذا التغيير هو الزمان، و بذلك يظل تغير قطر الكون مرتبطا بتقدم الزمان، لكن الحديث عن البعد الخامس العشر جعلني أحاول التأمل في معارفي و مجردات عقلي، في محاولة لاكتشاف بُعْدٍ آخرَ باجتهادي الشخصي قبل البحث عنها لاحقا، فجأة سطع سؤال في ذهني: "هل يمكن أن تكون المشاعر بعدا آخر مستقلا بذاته، أم أنها فقط أحد المكونات الخاضعة لمبدأي الزمان و المكان؟"، تتالت الأسئلة بعد ذلك مخلِية سبيل سيل من الأفكار الحائرة، أليست العاطفة شبيهة بالحرارة؟ إذا كانت الحرارة تزيد و تنقص متأثرة ببعدي الزمان و المكان، أفليس الحب مثلا كعاطفة يخضع لنفس المبدأ، فيزيد و ينقص متأثرا بالزمان و المكان؟ و إذا كان الجواب نعم و هو قطعا الجواب الصحيح، فالعواطف إذن مكونات كونية و ليس بعدا، لكننا أيضا نحتاج أن نعرف بمعايير اعتبار المكون بعدا لنحكم على الحرارة أيضا هل هي بعد في حد ذاتها، و بالتالي نفس الشيء للعواطف، لكن الأفكار تشعبت مجددا و ظهر في عقلي سؤال طرح علي أحد الأصدقاء يوما: "هل الحب يموت؟" أجبته في البداية بنعم فنفى، فكررت نعم فنفى، فتوقفت لحظة و طلبت توضيحا، فقال: "الحب الحقيقي لا يموت، و إذا مات فهو لم يكن من البداية حقيقيا"، لم نناقش الفكرة مطولا حينها، لكني في لحظة سفري التأملي تلك شعرت أنه صادق، ففكرت: "إذا عدنا لمثال الحرارة، أفليس هذا يعيدنا للتفكير في كم الاحتمالات الممكنة لعمليتي الزيادة و النقصان؟ إذا كانت الحرارة ترتفع فمن المحتمل جدًّا أن يكون احتمال ارتفاعها مستمر إلى ما لا نهاية، و بالتالي احتمال نقصانها مستمر إلى ما لا نهاية؟ و كذلك الحب بما أنه يزيد يبقى احتمال أن يزيد ممكنا إلى ما لا نهاية، فحتى و نحن نستخدم عبارة "يكبر الحب إلى أن يتمكن من شغاف القلب" إلا أن عبارة "إلى أن" تضع حدا للاحتمالات و هو ما ليس صحيحا، و بالتالي فوصوله لشغاف القلب ليس نهاية تمدده، و أيضا هذا الشعور قابل للنزول إلى درجة مريعة احتمالها هو ما لا نهاية، لان المنطق يقول بذلك، ما يمكنه التمدد باستمرار و التقلص باستمرار لا يمكننا معرف حدود ذلك، لكن هل يموت؟ الحرارة ترتفع لدرجات مهولة فتصل لآلاف الدرجات، دون أن نعطي لها درجة قصوى، و تنزل للصفر فتبدا بعض المخلوقات في الموت، لكنها تستمر في النزول حتى تصل للصفر المطلق "270" تحت الصفر، حيث يعتقد العلماء باستحالة وجود الحياة في هذه المرحلة، و مع ذلك لا نستطيع أن نقول بأن نزولها توقف، كما لا يمكننا القول أن الحرارة انتهت أو انعدمت، و من خلال ذات التشبيه نستطيع القول بأن الحب كعاطفة يمكنه النزول لدرجات مريعة، حتى يختفي تماما، بل حتى يتحول لكراهية و حقد مطلق، لكنه أبدا لا يموت، و تلك الكراهية قد تذوب مع أول مبادرة حسنة من المحبوب تليها ذكريات جميلة مترسبة، ليعود الشعور للحياة مجددا، و بذلك نجد الإخوة الذين انقطعوا لعشرات السنين قد يعوون إخوة بمبادرة حسنة من أحد الأطراف تصادف نية حسنة من الأطراف الأخرى، فالحب هنا كان خاملا و لكنه لم يمت يوما، و الخمول هو درجة الصفر المطلق بالنسبة لكل المشاعر بما في ذلك الخوف، حيث أن الشجاع الذي يلقي بنفسه في النار دون تردد بدوره يشعر بالخوف في لحظة خاصة، قد لا تكون حتى بخطورة التصرف الأول"، و بالتالي فربما بالمنطق نفسه إذا تتبعناه سنصل إلى إلغاء فكرة العدم الذي نتوقعه بعد طول امتداد، العدم الذي في حقيقته يبقى مجرد كلمة مجردة و مزيفة للدلالة على مفهوم الوجود، لأنه لو كان العدم موجودا لما صار عدما و لصار نقيض نفسه، وحتى حين نقول ماذا يوجد بعد حدود الوجود نكون فقط نجذف و نهذي لأننا إن قلنا يوجد بعده العدم جعلناه موجودا، و إذا قلنا يوجد وجود آخر فما أضفنا شيئا جديدا، و بالتالي فلا يوجد شيء اسمه العدم، هناك الوجود فقط ممتد إلى يوم حدده الخالق و عرفنا به و سماه يوم القيامة، و من بعده وجود آخر في شكله المعدل، كما أن هذا الوجود يعود للخلف نحو نقطة محددة هي لحظة الخلق التي أخبرنا عنها الله تعالى.. انتبهت أخيرا على نهاية البرنامج الذي لم أتابع منه شيئا، شربت ما تبقى بالكأس و قمت من مكاني مغادرا و عقلي ما زال مستثارا بأسئلة كثيرة:"

ماذا عن قضية الحب الحقيقي و الحب المزيف؟ كيف نميزهما و ما الذي يفرق بينهما و كيف ندرك حقيقة كل واحد منهما؟..." كالعادة لا تتوقف الأفكار عن الاستبداد بي و الاستحواذ على عقلي، لكني لن أنساق خلفها هذه المرة، فتلك قضية أخرى دقيقة و حساسة جدا نخصص لها جلسة شاي أخرى لاحقا.
****************************
محمد الرامي 09/09/2018