الجمعة، 20 مايو 2016

المقبرة ! رعب ( الحلقة 4 )



     عبرت السيارة محيط العمالة و استدارت نازلة عبر شارع محمد الخامس، ثم ملتفة نحو حي السعادة، الذي دخلته عبر المدخل الأول في طرفه، استدارت السيارة و انطلقت في خط مستقيم حتى نهاية الشارع من الطرف الشرقي، ثم التفت إلى اليسار لتتوقف أمام إحدى الفيلات التي ولجها الأربعة بسرعة و دون كلام.

***********************************************

     بترقب و حذر جلس أحمد و كمال في أحد صالوني الفيلا يتبادلان النظرات و يقاومان دقات قلبيهما المرتابان بينما الغريبان اختفيا صعادا للطابق الثاني لحظات قبل أن يعودا للجلوس معا، بادر احمد قائلا: "أنا أحمد و هذا صديقي كمال، هلا تعارفنا أولا؟" نظر إليه الزعيم لحظة ثم قال: "أنا سامي و هذا إبراهيم"، ثم أردف قائلا: "علينا أولا أن نتفق على طريقة العمل و من ثم نتفق على الخطة..." فجأة رن هاتف كمال فاستخرجه من جيبه ليجيب لولا أن غلت الدماء في جسد الزعيم و هو يقفز مسرعا يختطف الهاتف و ينزع بطاريته بهيستيريا مصوبا نظرات من الغضب، لم يستوعب الصديقان هذا التصرف و كمال يقول مستغربا في عصبية: "ماذا تفعل؟ هل جننت؟ إنها زوجتي لعلها قلقة علي"، رد الزعيم بلهجة حادة: "هل أنت غبي أم ماذا؟ لعل خبركما و كل ما تخططان له في علم الشرطة المحلية و الدولية و لربما أيضا في علم وكالات الانباء؟ تريد القضاء علينا أم ماذا؟" و فجأة انتبه و التفت بحدة نحو أحمد سائلا: "لا تخبرني أنك تحمل هاتفا أيضا؟!"، بحرج شديد أولج يده في جيبه و استخرج هاتفا و نزع البطارية في هدوء تحت أنظار الزعيم الذي يكاد يجن جنونه فلم يزد عن أن قال و هو يستلقي جالسا على الاريكة خلفه: "يا لكما من غبيان فعلا"، قال أحمد مهدئا: "حسنا لربما اخطأنا أننا لم نبعد الأدوات التكنولوجية عندما نناقش الموضوع، و لربما تنصتت علينا الشرطة، و أعتقد أنه علينا إلغاء العملية كلها لفترة من الزمن"، نظر إليه الزعيم شزرا بعينين تقولان "هل تحاول خداعي أيها الغبي؟"، ثم قال: "حسنا، أعتقد علينا تأجيل العمل لبضعة أيام مع نسيان الموضوع أو مناقشته بعيدا عن أي أدوات يمكن أن تستعمل للتنصت" ثم التفت إلى احمد قائلا: "لا تحاول العبث معي أو محاولة خداعي، فلست حتى بالذكاء الكافي لفعل ذلك"، فهم احمد أن الزعيم فطن إليه حين اقترح إلغاء العملية بينما يريد الانفراد بها، فلم يرد عليه، ثم قال الزعيم: "ستعودان الآن لمنزليكما ثم نلتقي غدا لنناقش الموضوع، فالجو الآن غير ملائم لأي نقاش أو تخطيط" فقام الصديقان مهمان بالخروج و سارا نحو باب الفيلا حيث سيوصلهما الغريبان لمنزليهما.

********************************************

       داخل السيارة سأل إبراهيم الصديقان في استغراب: "ماذا كنتما تفعلان بالرفش و المعولين؟" قال أحمد: "كنا سنحفر القبر طبعا، و ماذا في نظرك؟" فضحك الزعيم ضحكة ساخرة و غاصبة في ذات الوقت مُهَمْهِماً بصوت مسموع: "أنتما أكثر غبيان التقيتهما حقا"، لم يستسغ أحمد هذه الإهانة فثار صارخا: "ماذا تقول أيها السفيه؟ منذ التقينا و انت تكيل لنا في الإهانات بلا احترام، هل نبدو لك غبيان؟" لم تفارق تلك الابتسامة الساخرة وجه سامي و هو يفسر قائلا: "أليس القبر علامة للغز ما في نظركما؟" ترقب احمد صامتا بينما رد كمال بالإيجاب، فقال سامي: "إذا كان علامة اليس من الطبيعي أن يكون له مدخل سري؟" فطن احمد للأمر فوضع رأسه بين يديه مستسلما و ألقى بظهره على المقعد غير مجادل لكنه قال مستغربا من غبائه: "يا إلاهي، ماذا كنا سنفعل؟!" أجابه سامي بهدوء: "ببساطة كنتما ستبدآن الحفر و ترسلان إشارة لمن هم مسؤولون عن مراقبته، فتفسدان الامر برمته!" نظر إليه أحمد و أطلق ضحكة هستيرية ساخرا من نفسه و قال: "حسنا، معك حق، لم نفكر في ذلك، لكن ليس غباء منا، و لكنه عدم خبرة بهذه الأمور، فنحن لسنا أعضاء عصابة و لم نشارك في سرقة بنك من قبل"، ألقى سامي إليه نظرة عبر المرآة الصغيرة المعلقة و قال: "نعم، و لهذا لن تتحركا بعد الآن قبل أن تستشيرا معي في كل شيء، اتفقنا"، لم يعترض الصديقان و لم يعلقا بينما السيارة تقف أمام منزل كمال ببطء.
-----------
محمد الرامي

الثلاثاء، 17 مايو 2016

أسرار التميز (الحلقة 8 ) -- الحواجز: 1- ما الذي يتحكم في قراراتنا --



إن أول نتيجة مباشرة للاعتقاد السلبي عن الذات، هو التفكير السلبي في التعامل مع الذات، و يقصد بالاعتقاد عن الذات ما يظنه الانسان عن نفسه و مقتنع به، سواء كان إيجابيا أو سلبيا، و لذا ففي مقابل الاعتقاد السلبي، يوجد اعتقاد إيجابي، و كلامها لا يتكون لوحده إنما له روافد تغذيه و ترعاه و تنميه، و إذا ما سيطر الاعتقاد السلبي على الانسان و تضخم، فإنه يؤدي لنتائج كثيرة، أسوأها أن يؤدي بالانسان إلى التفكير في الانتحار للتخلص من ذاته التي كرهها! و إن لم يفعل، فإنه سيؤدي على الأقل إلى أن يصبح الانسان مرتعا للكثير من الأمراض النفسية: كالقلق و الاحباط و الكآبة و اليأس و العدوانية و الكراهية للعالم.. أو الأمراض الجسدية الخطيرة الناتجة عن تلك الأمراض النفسية، أو عن طريق القيام بسلوكات سيئة و ضارة نابعة من ذلك الاعتقاد السلبي.
و كما يقول أحد المفكرين:" سواء قلت أستطيع أو قلت لا أستطيع، فأنت على صواب" لأن تلك الجملة تعبر عن شعور و إحساس داخلي، و هي نتيجة اعتقاد سلبي أو إيجابي مترسخ. و كل تصرف نقوم به في حياتنا مهما كان صغيرا، لا بد أن اعتقاداتنا عنه تتدخل في دفعنا إلى فعله أو منعنا من ذلك. اخترت شعبة دراسية معينة؟ اعتقادك عن تلك الشعبة جعلك تختارها، و اعتقاد الآخرين عنها هو ما سيمنعهم من اختيارها و اختيار شعبة أخرى غيرها. اخترت زوجة؟ اعتقادك عنها دفعك لذلك. اخترت مهنة ما؟ و اقصد اخترت و ليس فرض عليك، تذكر أن اعتقادك دفعك لاختياراتك تلك، و هو نفسه منعك من اختيارات أخرى، نظرتك للأمور نابع من اعتقاد بداخلك عنها.. تحب العيش في الخارج أو تكرهه، فاعتقادك يتدخل.
و قوة الاعتقاد تتدخل في تحديد طريقة تفكيرنا، و تفكيرنا يتدخل في تصرفاتنا، كما أن تصرفاتنا هي التي تحدد شخصيتنا أمام الناس، و تؤثر سلبا أو إيجابا على علاقاتنا، و على صورتنا عند الآخرين. فكيف يتكون الاعتقاد؟ و هل يمكن تغييره؟
أولا نتفق، إن كان الاعتقاد يتكون كما جاء في السؤال، فهو قابل للتغيير، لأنه بذلك يكون مكتسبا، و كل مكتسب يمكن تغييره أو تعديله لأنه قادم من خارج ذواتنا، و ليس جزءا لا يتجزأ منها. و إجابة عن السؤال الأول، أقول لك أن الاعتقاد يتكون، و نكتسبه مع الوقت منذ ولادتنا من طرق مختلفة، فيبدأ يتكون في السنوات الأولى في البيت ضمن الأسرة، و يبدأ الانسان في النهل من الأم و الأب، و من يسكنون ذلك المنزل لأنه المحيط الأول للإنسان، و فيه يتعلم الانسان اللغة و طريقة الكلام، و يشاهد العلاقة السائدة في المنزل، و طريقة تعاملهم، و الرسائل التي يتبادلونها فيما بينهم. ثم يذهب الطفل للمدرسة، و يبدأ في النهل من زملائه و معلميه و الشارع، و يبدأ في مشاهدة التلفاز فيخضع لتأثير الإعلام الذي ينهل منه، و بهذا يكون المحيط مكونا آخر للاعتقاد. إلا أنني أنبهك لشيء آخر له دور مهم في بناء اعتقاداتنا، و هو حديث النفس الذي يرافقنا طيلة حياتنا، و هو أخطر مؤثر لأنه نابع من ذواتنا و ليس قادما من خارجها. تشير أشهر الدراسات إلى أن الانسان يتلقى خلال حياته حوالي 145 ألف رسالة سلبية مدمرة، مقابل 4000 رسالة إيجابية في أحسن الأحول، بينما يعلنون الرقم 600 كرسائل إيجابية في المتوسط.
----------- 
محمد الرامي

الأحد، 15 مايو 2016

المقبرة ! رعب ( الحلقة 3 )



..... نظر إليه صاحبنا مستغربا من جحوظ عينيه و قال: "لا تخبرني أنك كنت ستصرخ!" رد كمال محاولا الثبات كأنه على الصراط: "لا.. لم سأصرخ؟!" قال صاحبنا محذرا: "يستحسن بك ذلك، ففي هذا السكون من الليل قد تصل صرختك للعاصمة!" و ناول معولا و رفشا لكمال و طلب منه الابتعاد قليلا كي يبدا حفر القبر، ثم هم بمعوله يضرب به الأرض لولا أن شعر بجسم كمال يلتصق بظهره يعيقه، فالتفت إليه غاضبا يقول: "هلا ابتعدت قليلا عني كي أستطيع الحفر؟" إلا أنه فوجئ بكمال ينظر إلى طرف الطريق من ناحية الغابة و هو شبه مصدوم و يهمهم: "انظر.. انظر هناك من هو قادم نحونا" نظر صاحبنا حيث يصوب كمال عينيه فرأى شخصين قادمين ببطء. انحنى بجسمه غريزيا و جذب صاحبه للانحناء و هو يقول: "يا للحظ! ترى من يتسكع في الغابة في هذا الوقت من الليل؟ ... لنختبئ خلف تلك النباتات العالية هناك حتى يمرا ثم نكمل عملنا.. احمل أنت المعولين و أنا سآتي بالرفش و محفظة باقي المعدات". أسرع كمال خلف النباتات و تبعه صاحبه، على بعد أمتار من القبر بعيدا عن الطريق المجاور الذي من المفترض أن يمر فيه القادمان، و ظلا يترقبان القادمان بتركيز قطعه كمال بهمس أفزع صاحبه قائلا من خلفه: " أحمد، ماذا لو كانا مجرمين و رأيانا؟" رد صاحبنا عليه و قلبه ما يزال مفزوعا من فجأة صديقه: " شكرا لأنك أخيرا ذكرت اسمي في هذه الرواية، و الآن هلا تسكت حتى لا يعثرا علينا فعلا؟" ثم تجمدا في مكانهما إذ رأيا القادمين اقتربا منهما، و لكنهما فوجئا بأن الشخصين لا يسيران في الطريق، بل عدلا إلى وسط المقبرة يتجهان نحوهما، ارتجف قلب الصديقين دون ردة فعل و أيقنا أن أمرهما كُشِفَ و أنهما ربما كانا مراقبين من البداية، لكن الغريبين توقفا فجأة و بدآ يتهامسان، توقفا عند نقطة محددة بالمقبرة هي آخر مكان تخيله صاحبانا، على رأس القبر تماما، كانت المسافة بين القبر و حيث يختبئ صاحبانا لا تزيد عن خمسة أمتار فقط، و أي حركة حادة أو صوت يستطيع الغريبان سماعه، كانت المفاجأة تستولي على أحمد و كمال في مخبئهما الطبيعي، و كل منهما يتساءل عما يفعله الغريبان، فأرهفا السمع و ظلا يترقبان، قال أحد الغريبين لصاحبه: " هل أنت متأكد أن هذا القبر هو علامة على حوض بترول سري؟ ماذا لو طلع تخمينه خاطئا؟ سيضيع كل المال الذي استأجرنا به مقر شركتنا الوهمية للتنقيب!" في تلك اللحظة و بذكاء نادر تذكر كمال الاسم الذي قراه على شاهد القبر "role pet" و أسرع عقله لتعديل الاسم قليلا بقلب طرفيه ليصبح "petrole" بينما يده يشد بقوة على ساعد صاحبه حتى آلمه فكاد أن يصيح لولا صعوبة الموقف، و ادرك الصديقان أن هذان الغريبان سبقاهما للبحث منذ فترة و اكثر من ذلك أنهما توصلا لنتيجة و يعملان على استغلالها، و فكر أحمد في نفسه: "ترى كم شخصا يحاول فك لغز هذا القبر المنسي؟!" و لم يمهل نفسه فرصة أخرى للتفكير و إنما انبثق بعصبية من خلف النباتات و قصد الغريبين بينما يتبعه كمال بحذر.. فوجئ الغريبان و كادا يفران من هول المفاجأة لولا أن سمعاه يقول بصوت خفيض: "من أنتما؟ و ماذا تفعلان هنا؟ أنتما تتدخلان في عمليتنا و تفسدانها علينا" لم ينبس الغربيان بكلمة لحظات، و تبادلا النظرات فقط باستغراب، ثم قال أحدهما: " أذا أقترح أنكما سمعتمانا، صحيح؟ حسنا ماذا تريدان؟" نظر إليه احمد و قال بحزم مصطنع: "نحن نعمل على معرفة سر هذا القبر، و أنتما تقومان بنفس الشيء كما يبدو"، قال أحد الغريبين: "نعم، و يبدو أنكما تعلمان الآن أننا سبقناكما إليه، لذا اقترح أن تغادرا المكان حالا بلا مشاكل"، تململ أحمد بهدوء قائلا: "نحن نشترك في نفس الفكرة، و كلانا يعمل على نفس العملية، و بهذا لا يوجد سوى احتمالان فقط، إما أن نشترك جميعا و نتعاون، أو نرحلا من هنا و يمكنكما تخيل نتيجة ذلك" قال أحد لغريبين و يبدو أنه صاحب الفكرة: "هل تهدد بإشاعة الأمر و كشف أمرنا؟"، لم يجب أحمد و إنما ظل ينظر إليه بمعنى أن الامر واضح و لا يستدعي مزيدا من التأكيد، في حين يهمس له كمال: "هيا احمد لنرحل من هنا، لا يستحق الامر المخاطرة"، ظلت النظرات تتبادل بينما القلوب ترتجف قبل أن يقول أحد الغريبين مستسلما: "حسنا، بشرط أن تسيران في خطتنا و لا تقومان بشيء من نفسيكما إلا بعد استشارتي"، شعر أحمد بوخز في صدره من ياء المتكلم في آخر الجملة لكنه عجز عن الاعتراض و أومأ براسه بالقبول، ثم قال: "حسنا، ما هي الخطة؟" نظر إليه الغريب المتزعم لحظة ثم قال: "يبدو أن ما من خطة لهذا اليوم، سنحتاج جلسة مطولة للاتفاق على شتان أمور هذه الليلة، و سنؤجل العمل للغد" بعد لحظة أردف قائلا: "اسمعا، لن نخرج من المقبرة جميعا كي لا ينفضح أمرنا، سنخرج نحن أولا ثم تتبعاننا بعد خمس دقائق، و نلتقي جميعا في ساحة البلدية" و انطلق الغريبان خارج المقبرة يحملان أغراضهما في انحناء و تربص، بينما أسرع كمال خلف النباتات حمل الرفش تحت إبطه و المعولين في يديه و المحفظة بين أسنانه و عاد لصديقه الذي وجده يشد بقبضته و يصك اسنانه كما لو يتمنى أن يقتل هذين الغريبين الذين أفسدا خطته..

**********************************************

        في باب ساحة البلدية التقى أحمد و كمال الغريبان فقال من يعتقد أنه الزعيم بكلام شبه أمر: "لنذهب من هنا، هيا إلى السيارة"، و أشار لسيارة رباعية الدفع فاخرة الطراز، فالتفت احمد لكمال هامسا: "يا للهول، سيارة رباعية الدفع! من يكون هذان؟"، تردد كمال و طلب أن يغادر لمنزله فاستوقفه الزعيم بنظرة ارتجف لها قلبه قائلا: " ماذا قلت؟ تريد الذهاب؟ بهذه السهولة؟ انس الأمر، بدأت العملية و لن تخرج قبل أن ننتهي، من يضمن لنا أنك لن تشي بنا؟" قاطعه أحمد مهدئا: "هيه، توقف، إنه صديقي و هو لن يفضح أمرنا، أنا من دفعه للاشتراك في العملية" ثم نظر لصديقه هامسا: "لا تقلق، لنكمل ما بدأناه، ماذا لو كان حوض بترول فعلا؟ سنجني من ذلك ثروة هائلة"، أومأ كمال برأسه موافقا و هو يبتلع ريقه بصعوبة مصوبا عينين جاحظتين لعيني صديقه.. و انطلق الجميع و اختفوا داخل السيارة التي انطلقت بسرعة مبتعدة عن المكان... (يتبع)
-----------
محمد الرامي