الأحد، 9 سبتمبر 2018

تأملات و أفكار (1) ..


      جلست في صالون منزلي على الأريكة أرتشف من كأس الشاي على الطاولة الدائرية قربي، أشاهد برنامجا تلفزيونيا وثائقيا حول "مفهوم الزمان"، هذا المكون الكوني الذي له اتجاه واحد مستقيم ينتهي بنهاية مجهولة، هناك مكونات أخرى تزيد و تنقص، تتطور و تتدهور، و هناك مكونات لها اتجاه واحد، غالبا المكونات الأخيرة تكون مرتبطة ببعضها ارتباطا وثيقا، و تتجه نحو نقطة مشتركة، الفضاء يتوسع على الدوام و لا يتقلص أبدا، إذا تقلص تكون النهاية، و الزمن لا يعود للوراء أبدا، إذا توقف فتلك هي النهاية، ليس كالحرارة التي تزيد و تنقص، و لا كالمشاعر التي تزيد و تنقص.. هذا هو الفرق بين مفهومي الثابت و المتغير، فالثابت يمكن قياسه و وضع قوانين عامة له، أما المتغير فلا تحكمه القوانين و القواعد..

لم تكن هذه المعاني موضوع البرنامج و إنما أفكار راودتني و قد سرحت في المعاني المختلفة أقلبها و تقلبني.. رشفت رشفة أخرى بينما التقطت أذناي عبارة "الأبعاد الخمسة عشر"، هاجمت الأفكار عقلي مجددا حيث بدأت أتساءل عن ماهية هذه الأبعاد الكثيرة و كيف صنفها من صنفها على أنها أبعاد، كل ما أعرفه هو أربعة أبعاد فقط هي أبعاد المكان الثلاثة الطول و العرض و العمق، و البعد الرابع هو بعد الزمان، حيث لا يمكن التحدث عن أبعاد المكان إلا في زمان محدد، لأنه بعد مؤثر بشكل رسمي في كل جوانب الحياة، بل في الكون كله، إذا تحدثنا عن حجم الكون قبل ألف سنة، حتما سيكون اليوم بفعل عملية التوسع ذا حجم أكبر، و الفاعل الرئيسي في هذا التغيير هو الزمان، و بذلك يظل تغير قطر الكون مرتبطا بتقدم الزمان، لكن الحديث عن البعد الخامس العشر جعلني أحاول التأمل في معارفي و مجردات عقلي، في محاولة لاكتشاف بُعْدٍ آخرَ باجتهادي الشخصي قبل البحث عنها لاحقا، فجأة سطع سؤال في ذهني: "هل يمكن أن تكون المشاعر بعدا آخر مستقلا بذاته، أم أنها فقط أحد المكونات الخاضعة لمبدأي الزمان و المكان؟"، تتالت الأسئلة بعد ذلك مخلِية سبيل سيل من الأفكار الحائرة، أليست العاطفة شبيهة بالحرارة؟ إذا كانت الحرارة تزيد و تنقص متأثرة ببعدي الزمان و المكان، أفليس الحب مثلا كعاطفة يخضع لنفس المبدأ، فيزيد و ينقص متأثرا بالزمان و المكان؟ و إذا كان الجواب نعم و هو قطعا الجواب الصحيح، فالعواطف إذن مكونات كونية و ليس بعدا، لكننا أيضا نحتاج أن نعرف بمعايير اعتبار المكون بعدا لنحكم على الحرارة أيضا هل هي بعد في حد ذاتها، و بالتالي نفس الشيء للعواطف، لكن الأفكار تشعبت مجددا و ظهر في عقلي سؤال طرح علي أحد الأصدقاء يوما: "هل الحب يموت؟" أجبته في البداية بنعم فنفى، فكررت نعم فنفى، فتوقفت لحظة و طلبت توضيحا، فقال: "الحب الحقيقي لا يموت، و إذا مات فهو لم يكن من البداية حقيقيا"، لم نناقش الفكرة مطولا حينها، لكني في لحظة سفري التأملي تلك شعرت أنه صادق، ففكرت: "إذا عدنا لمثال الحرارة، أفليس هذا يعيدنا للتفكير في كم الاحتمالات الممكنة لعمليتي الزيادة و النقصان؟ إذا كانت الحرارة ترتفع فمن المحتمل جدًّا أن يكون احتمال ارتفاعها مستمر إلى ما لا نهاية، و بالتالي احتمال نقصانها مستمر إلى ما لا نهاية؟ و كذلك الحب بما أنه يزيد يبقى احتمال أن يزيد ممكنا إلى ما لا نهاية، فحتى و نحن نستخدم عبارة "يكبر الحب إلى أن يتمكن من شغاف القلب" إلا أن عبارة "إلى أن" تضع حدا للاحتمالات و هو ما ليس صحيحا، و بالتالي فوصوله لشغاف القلب ليس نهاية تمدده، و أيضا هذا الشعور قابل للنزول إلى درجة مريعة احتمالها هو ما لا نهاية، لان المنطق يقول بذلك، ما يمكنه التمدد باستمرار و التقلص باستمرار لا يمكننا معرف حدود ذلك، لكن هل يموت؟ الحرارة ترتفع لدرجات مهولة فتصل لآلاف الدرجات، دون أن نعطي لها درجة قصوى، و تنزل للصفر فتبدا بعض المخلوقات في الموت، لكنها تستمر في النزول حتى تصل للصفر المطلق "270" تحت الصفر، حيث يعتقد العلماء باستحالة وجود الحياة في هذه المرحلة، و مع ذلك لا نستطيع أن نقول بأن نزولها توقف، كما لا يمكننا القول أن الحرارة انتهت أو انعدمت، و من خلال ذات التشبيه نستطيع القول بأن الحب كعاطفة يمكنه النزول لدرجات مريعة، حتى يختفي تماما، بل حتى يتحول لكراهية و حقد مطلق، لكنه أبدا لا يموت، و تلك الكراهية قد تذوب مع أول مبادرة حسنة من المحبوب تليها ذكريات جميلة مترسبة، ليعود الشعور للحياة مجددا، و بذلك نجد الإخوة الذين انقطعوا لعشرات السنين قد يعوون إخوة بمبادرة حسنة من أحد الأطراف تصادف نية حسنة من الأطراف الأخرى، فالحب هنا كان خاملا و لكنه لم يمت يوما، و الخمول هو درجة الصفر المطلق بالنسبة لكل المشاعر بما في ذلك الخوف، حيث أن الشجاع الذي يلقي بنفسه في النار دون تردد بدوره يشعر بالخوف في لحظة خاصة، قد لا تكون حتى بخطورة التصرف الأول"، و بالتالي فربما بالمنطق نفسه إذا تتبعناه سنصل إلى إلغاء فكرة العدم الذي نتوقعه بعد طول امتداد، العدم الذي في حقيقته يبقى مجرد كلمة مجردة و مزيفة للدلالة على مفهوم الوجود، لأنه لو كان العدم موجودا لما صار عدما و لصار نقيض نفسه، وحتى حين نقول ماذا يوجد بعد حدود الوجود نكون فقط نجذف و نهذي لأننا إن قلنا يوجد بعده العدم جعلناه موجودا، و إذا قلنا يوجد وجود آخر فما أضفنا شيئا جديدا، و بالتالي فلا يوجد شيء اسمه العدم، هناك الوجود فقط ممتد إلى يوم حدده الخالق و عرفنا به و سماه يوم القيامة، و من بعده وجود آخر في شكله المعدل، كما أن هذا الوجود يعود للخلف نحو نقطة محددة هي لحظة الخلق التي أخبرنا عنها الله تعالى.. انتبهت أخيرا على نهاية البرنامج الذي لم أتابع منه شيئا، شربت ما تبقى بالكأس و قمت من مكاني مغادرا و عقلي ما زال مستثارا بأسئلة كثيرة:"

ماذا عن قضية الحب الحقيقي و الحب المزيف؟ كيف نميزهما و ما الذي يفرق بينهما و كيف ندرك حقيقة كل واحد منهما؟..." كالعادة لا تتوقف الأفكار عن الاستبداد بي و الاستحواذ على عقلي، لكني لن أنساق خلفها هذه المرة، فتلك قضية أخرى دقيقة و حساسة جدا نخصص لها جلسة شاي أخرى لاحقا.
****************************
محمد الرامي 09/09/2018

الأحد، 19 أغسطس 2018

أحبك و أكره الأطياف (2)



طالما تعبت من وجودك بحياتي و كنت عنيدا أيها الطيف، كنت عنيدا لدرجة أني كرهت وجودك في حياتي كثيرا، نزعتك مرارا من حياتي نزعا و كنت تعود بعد قليل لتستقر مجددا بأركان المنزل الصغير، تركت لك المنزل أحيانا أخرى لعلك تمله أو تشعر بوحدتك فيه فتغادر، فكنت لا تمل و لا تغادر، و كنت في النهاية أعود مشتاقا لأجدك في انتظاري قابعا بكل زاوية، طالما رغبت في أن تتركني و ترحل و أبيت، و اليوم بعد أن تعودتك، ألفت وجودك، أحببت قربك، وجدتك ذاتي التي أعشقها و مرآة روحي المتجسدة، ها أنت تحاول الفرار من أضيق ثقب بالجدار، و تحاول أن تهجرني بعد أن نقلتك من منزلي إلى أعماق قلبي، و صارت لك زوايا الفؤاد مجلسا عوض زوايا الجدران، اليوم و بعد أن أوصدت عليك كل الأبواب لتبقى تحاول الخروج من النوافذ و الشقوق..
كسرتَ قلبي ألف قطعة عبر سنين و لم يكن ذلك كافيا ليقطع حبل علاقتنا، ألف قطعة دقيقة لا تكاد ترى الواحدة منها منفردةً، ألف قطعة و تريد تفتيتها للمزيد، ألف قطعة إلا قطعة واحدة، تافهة نعم و لكنها تكتسب أهميتها من وجودها، أستغرب كيف استطعت إخفاء تلك القطعة التافهة عني طلية كل تلك السنوات؟ كيف كنتَ تجالسني، تسامرني، تشاركني الطعام و الشراب و المنام دون أن يخطر ببالك يوما مشاركتي تلك القطعة لتملأ بها لحظات الصمت التي كانت تلفنا لدقائق و أحيانا لساعات؟ من أين أتيتَ بتلك القدرة الكبيرة على التستر و أنت الذي ظننته كتابا مفتوحا أقرأه دون حاجة إلى معجم مساعد؟ ما ضرك لو وضعتها بين يدي لأنظر إليها كما نظر إليها الجميع؟ لم تكن شيئا خاصا بك حتى تخفيه عني و إلا لقدَّرت ذلك؟ بل كانت قطعة عامة يتشاركها الجميع و غابت عني!
أيها الطيف العنيد، مؤسف جدا أن ترافقني متى تريد و تفارقني حين تشاء، مؤسف جدا أن تظهر بمنزلي متى شئت و تختفي حين أريدك، ليس من عدل الأرض و لا عدل السماء أن تخنق القلب الذي يصارع كل الإغراءات ليحتفظ بك، و تفارق قلبا يطاردك في حقيقته و يدعي أمام الناس انه يطردك، مؤسف حبيبتي أن تشيخ مشاعرنا بينما ندخل نحن عمر الشباب !!
----------------------------------
محمد الرامي 18/08/2018

السبت، 18 أغسطس 2018

أحبك و أكره الأطياف !


------------------
أحبك، ليس لحاجتي إلى امرأة في حياتي فهي مليئة بالنساء، و ليس لجمالك و لا لمالك و لا لباعك الطويل، أحبك، لسبب أعرفه جيدا و لا يخفى علي، لكني نسيت كيف أعبر عنه، أمهليني دقيقة و سأخبرك ما هو.. لأجل عينيك الناعستين؟ أو ابتسامتك الساحرة؟ لا لا، لا أعتقد ذلك، هناك شيء ما، هو ما ربط قلبي باسمك و صورتك، ربما نعومة صوتك الرقيق؟ أو ربما رقة قلبك الكبير؟ لست متأكدا من ذلك و لكن يوجد بالفعل شيء أعرفه بكل ثقة و سأخبرك به بعد قليل..
عندما رأيتك أول مرة لم أرى سوى طيف يمر بجانبي مسرعا لم أتبين ملامحه جيدا، و مر على ذلك سنوات قبل لقائنا الثاني، حينها رأيتك بشكل أوضح جعل برودة ما تسري في مفاصلي، لم يكن ذلك سوى من هول الغرابة.. يختلف عن شعوري حين رأيتك أول مرة طيفا عابرا، كان رغبة صافية نقية يملأها العجز من كل أركانها، لأني كنت ما أزال طالبا بالجامعة أتحسس طريقي نحو المستقبل، و لم يكن شعوري في لقائنا الثاني سوى شعور بالقدرة الإلاهية على جمعنا في كل زمان بأماكن متفرقة.. نظرت إليك حينها بعينين واثقتين و خفقة في القلب تنادي أنك لي، هناك شيء ما في تلك اللحظة عقد قلبي بقلبك و حكم عليهما بالسجن المؤبد، شيء أعرفه و أكاد أنطقه لكني عاجز..
بعدها بفترة خطبتك من بيت أهلك، ثم تزوجتك و أخذتك معي كفارس يتسلم أميرته الجميلة كحق من حقوقه المشروعة، لا أتذكر أي خاتم ألبستك و لا أي لباس كنت ألبسه ليلتها، كنت منشغلا بالنظر إليك و متابعة ابتساماتك الفرحة تتجول في المكان، و بعد العرس ركبنا سيارتنا الصغيرة مغادرين نحو منزلنا الصغير، كنت تدخلينه أول مرة لكنه كان يعرفك جيدا، فقد كنت تسكنين به لسنوات، و كان منزلنا حتى قبل زواجنا، كان طيفك الهادئ يعيش فيه معي منذ زمن و يتجول في كل ركن من أركانه، كنتِ جديدة على المنزل ليلتها و لكن محادثاتنا و نقاشاتنا و ضحكاتنا و جدالاتنا كانت تملأه و تسكنه قبل مجيئك، حين دخلنا المنزل يومها لم أشعر بأنك وافد جديد، إنما فقط تجسد الطيف و أصبح أكثر صلابة و وضوحا، و صار بإمكاني لمسه و الشعور به أكثر، ما شعرت بتغيُّر في المكان غير أني أصبحت أحب وجودك أكثر، فكما تعلمين لا أحب الأطياف و لا الخيالات، يومها حضَّرت عشاءنا على طاولة مضاءة بشمعتين صغيرتين، لم يكن باذخا كعشاء القصور و لكنه كان مملَّحا بطعم السعادة، لم أتجرأ على الإمساك بيديك في البداية، فضلت تشبيك أصابع يدي و تحرير ابتسامة متمردة على شفتي و أنا أنظر إلى محياك الباسم، ابتسامة يملأها الحب و الأمان، الأمان الذي فقدته في اليوم التالي و أنا أستفيق بالمنزل وحيدا يلفني الصمت، و أخرج من حلم جميل أشبه بكابوس، لأعود للبحث عن طيفك في زوايا المنزل الصامت...
----------------------------------------------
محمد الرامي 17 _ 08 _ 2017

الخميس، 22 فبراير 2018

موقفي من التسطيح و التكوير في شكل الأرض

قال لي أحد الأصدقاء: ما أدلتك على أن الأرض مسطحة؟
قلت له: متى سمعتني أقول بأنها مسطحة؟
قال : لقد قلت بأنها ليست كروية فإذن أنت مع الفريق الثاني. و تعتقدها مسطحة.
قلت: أبدا، ليس بالضرورة،  كما أن شكل الأرض ليس بالضرورة إما كرويا أو مسطحا، فقد يكون أي شكل آخر لا يعلمه إلا الله، و لو خُيِّرتُ بين الانتماء لأحد الفريفين اللذين تتحدث عنهما لاخترت الانتماء بلا تردد لأنصار كروية الأرض لأنها النظرية الأقوى و الأقرب للمنطق و العقل، في مقابل نظرية سطحية الأرض التي لا دليل عليها غير حاسة البصر و هو ما لا قيمة علمية له، أما قصتي مع المسألة، فأنا يا صديقي قبل مدة كنت أعتقد بأن الأرض كروية لا غبار عليها، و أنها حقيقة علمية و ليست نظرية و أنهم صوروها فعلا، إلى أن بدأت بحثا صغيرا قبل بضع سنوات في الموضوع فعرفت أننا لا نملك للأرض أي صورة، و تعلمت شخصيا ببرنامجي تصميم ثلاثي الأبعاد و مؤثرات بصرية، صناعة تصاميم للكون و الأرض و الشمس و القمر بشكل يقارب ما نراه على التلفاز، حينها ركبتني الشكوك تلو الشكوك في معارفي حول علوم الفضاء، و قليلا قليلا صرت ألاحظ و أفكر في الموضوع بشكل مكثف، ما جعلني أكتشف بنفسي عددا من الأدلة البسيطة التي كشفت من خلالهما حقيقة ما تعرضه البرامج الوثائقية، و مع الوقت تنامت قناعتي حول حقيقة ما نراه حول الأرض و الفضاء إلى أن حوَّلت اعتقادي من اليقين بكروية الأرض و التصميم المعروف للكون، إلى الاعتقاد بنسبية حقيقة ما أراه و احتمالية كذبه أو زيفه أو خطئه في أحسن الأحوال، و هذا كان له أثر كبير على نفسي بحيث شعرت أني كنت أحمل حملا كبيرا لا قيمة له، قام بعدها عقلي بتصنيف تلك المعارف في خانة "يحتاج للمزيد من الأدلة"، أو خانة "مشكوك في امره"، و هذا في حد ذاته مهم جدا و علمي أيضا في نظري، فما يحتمل الخطأ عليه أن يحتمل الخطأ دون خداع للناس على أنه حقيقة مثبتة نهائية -و هو ما كنت ذات وقت أعتقده و علمونا إياه- ، ثم بعد سنين عددا عثرت على فيديو اعترافات مخرج مسرحية النزول على القمر  الذي سجله قبل موته و طلب عرضه بعد موته، و هو التسجيل الذي انتشر قبل فترة يكشف كذبة النزول على القمر. كل هذا يجعلني أعيد حساباتي و أخضع معارفي للنقد و التشكيك و وضعها موضعها الصحيح، أما أن أعتقد بسطحية الأرض هكذا بلا أدلة و لا إثباتات فهو غباء أيضا، العقل الذي رفض كل الأدلة على كروية الأرض لن يقبل بسطحيتها دون أدلة.
قال ذلك الصديق: إذن أنت لا تعتقد لا بكرويتها و لا بسطحيتها؟
قلت: ليس بتلك الطريقة، أنا لا أعتقد فعلا بأي من الرأيين الآن لكن بطريقة مختلفة، أعقتد أننا لا نعرف بالضبط شكلها و لا توجد لدينا صورة للأرض، و كل ما لدينا هو أدلة تعتمد الملاحظة فقط رغم كل التكنولوجيا، انصار السطحية يعتمدون البصر و نصوصا دينية قابلة للتأويل و هذا يجعل نظريتهم أضعف الخيارات في رأيي، و أنصار الكروية يعتمدون ملاحظة النجوم و الأجسام عن بعد و الظلال و شكل السماء ليلا من مناطق متعددة و غير ذلك، و هم بذلك أدلتهم تظل أقوى و أكثر إقناعا و منطقية، لكنها لا تثبت النظرية و إنما تجعلها أرجح من غيرها فقط، و بذلك فأنا قد لا أعتقد في اي نظرية كانت إلا أني لست خارج الزمن، بل لدي موقفي الذي قد يتلخص في أني أميل أكثر لكروية الأرض، كفكرة منطقية عليها أدلة ملاحظة قابلة للبحث و التأكد، و تعتبر منطلقا لكل من يريد اكتشاف شكل الأرض، لكنني لست أعتقد حاليا بأي شكل من أشكالها المطروحة إلا في حدود الاحتمال و الترجيح.
قال الصديق: و لم استدللت مرة بالآية "أفلا ينظرون..."؟
قلت: هذه الآية هي أكثر أية يمكن وضعها في مقابل نظرية كروية الأرض، و كنت أعتمد عليها بداية في مناقشة نفسي ردا على ما كان يعشش بعقلي مما تعلمته، لأنها أية تحتمل أن تكون صحيحة في ظاهرها دون تأويل، خصوصا أن كلماتها ليست مجازية و لا مركبة تركيبا مجازيا، و سياقها جاء في خضم عرضٍ لآيات غيرها مادية ظاهرة واضحة بعيدا عن أي تشبيهات او مجاز، ما يجعل هذه الآية قوية كمنطلق للبحث في سطحية الأرض، و هي كل ما نملك حاليا حول شكل الأرض من مصدر موثوق، إلا أنها تحتمل أيضا التأويل، اذا اعتبرنا ان المقصود بالأرض اليابسة فقط، أو قطعة من الأرض و ليس الأرض كلها، كما يمكن أن نؤوّلها على أن كلمة "سُطحت" هنا المقصود بها ما يُرى للرّائي و ليس أبعد من ذلك، فالآية من جهة صريحة في سياق صريح غير قابل للتأويل، و من جهة أخرى تحتمل أكثر من فهم للفظة الأرض، لكنه مع ذلك حتى محاولة الخوض في مقصود الله و مراده من كلمة سطحت، هو غلو في التأويل، كأن الله تعالى غير مبِينٍ في كلامه، أو أن قرآنه كتاب الغاز صعب الفهم إلا بالتأويل، و هو القائل سبحانه " و لقد يسرنا القرآن للذكر"، و بذلك أرى أن الباب الوحيد لتأويل الآية هو كلمة "الأرض"، فإن ذكرت هذه الآية فلأنها الطريق الوحيد للرد على نظرية كروية الأرض و التشكيك فيها، و لأنها كل ما نملكه حول شكل الأرض من مصدر عليم، و مع ذلك ذكري لها لا يعني أني أعتقد في سطحية الأرض، لأننا نفتقد لأدلة علمية و مادية تثبت ذلك، و هذه الآية ليست من قبيل الآيات الغيبية التي تفترض إيمانا بالتسليم، بل هي من قبيل الآيات العلمية التي تدعو للبحث و السير في الأرض، و بذلك فهذه الآية تبقى وحيدة في جانب أنصار سطحية الأرض، تقابلها في الجانب الآخر آية "يكوّر الليل على النهار و يكوّر النهار على الليل"، و الآية الثانية مدعومة بعدد كبير من الأدلة تجعل نظرية كروية الأرض أقوى مقارنة بسابقتها، و كلاهما موضوع للبحث ليس أكثر، بعيدا عن أي اعتقاد بشكل محدد للأرض أو للكون في ظل غياب أي أدلة مادية قطعية من جانب الطرفين.
قال الصديق مازحا: كيف تحبها أنت أن تكون؟ سطحية أو كروية؟
قلت : أود صادقا أن يثبت أنها كروية، و أن الكون كما صوروه لنا، فهو أدعى لعظمة الله تعالى في نفوس البشر، و يبعث الرهبة و الدهشة في قلبي، باختلاف الشكل الذي يطرحه المسطِّحون و الذي يثير في النفس الضيق و البساطة، و هو ما لا يدعم نظريتهم بل يحبطها، حين نرى قرصا محاطا بالجليد من حافته و مغلقا بقبة السماء، هؤلاء سطحوا الأرض و لكنهم ضيقوا الآفاق و بسَّطوا قدرة الله على الإبداع في مقابل كرة تسبح في السماء في كون فسيح بديع، لكني مع ذلك أعلم أنها حتى إن لم تكون كروية فستكون في شكل أبدع و أرقى مما يعتقده المسطِّحون و ليس أقل مما نعتقده عنها اليوم، أما هذا الشكل القرصي المغلق فهو ساذج بشكل ملفت يرفضه العقل السليم و المنطق السليم.
-----------------------------
محمد الرامي 22/02/2018 

الخميس، 11 يناير 2018

مغالاة الباحثين و سذاجة المتلقين في علاج المشاكل الحياتية.

بعض الناس يصدقون كل شيء و يعتقدون بكل كلام، حتى لو كان ذلك الكلام يستحيل إثباته علميا و لا يعدو ان يكون تخمينا، اعطي مثالا:
"يعزو بعض الباحثين اسباب التبول اللارادي ليلا عند الطفل الى طلاق الوالدين او شجارهما امامه او الصراخ في وجهه او ضربه، و يذهب مصطفى ابو سعد -على ما له من مكان محترم نقدره- أن ذلك يكون انتقاما من الطفل يقوم به بلا وعيه منه ردا على ما تعرض له من تعنيف او سلوكات ابوية سلبية حضرها."
في نظري كلام الدكتور ابو سعد و امثاله ممن ذكرت كلام فارغ، و لا قيمة علمية له، و هو منتشر في كتب كثيرة سبق لي قراءتها عن تربية الأطفال و متداول بشكل كبير دون ان يكون عليه اي دليل علمي او تبرير مادي، اذ لا يعدو ان يكون مجرد تناقل تخمين لأحد العلماء قدمه ذات يوم، لان التبول اللارادي ليلا علينا النظر اليه من وجهة نظر مادية في وعي الطفل قبل تبريره في لاوعيه، ماذا عن شرب السوائل بعد الغروب الى ما قبل النوم؟ ماذا عن استهلاك الحلويات التي تحفز الحاجة للسوائل و الماء؟ ماذا عن اكل ما يستدعي شرب الماء مرات ليلا كالسمك و ما شابه؟ ماذا عن نقص الاغطية او التعرض للبرودة أثناء النوم خصوصا أن بعض الاطفال لا يحبون الأغطية و يتخلصون منها؟ ماذا عن النقص في تربية الطفل على تحمل مسؤولياته و القيام بأموره الشخصية؟؟؟
لمن يعاني هذه المشكلة من الاباء اتمنى الا ينجروا كثيرا وراء كل التحليلات الفيزيقية قبل استيفاء كل اسباب العلاج المادية. فغالبا -حتى لا اجزم كليا- ما تكون الأسباب قريبة و سطحية سلوكية امامنا بينما نسافر خلف النجوم للبحث عنها.
-----------------
محمد الرامي
#تيقظ_أبصر