الأربعاء، 27 أبريل 2016

صوت صفير البلبل (الاصمعي)



يحكى أن الخليفة المامون و يقال هارون الرشيد، أنه سن قانونا على الشعراء بأن لا يعطي هبات مالية للشاعر إلا إذا جاء بقصيدة لم يسبق أن قيلت من قبل، و يعطي صاحبها ذهبا بوزن ما كتبت عليه، و كانت خدعة منه لأنه يستطيع حفظ القصيدة من مرة واحدة، بينما وزيره يحفظ من مرتين و جارية له تحفظ من ثلاث مرات، و كان كلما دخل عليه شاعر فوجئ بأنهم يحفظون قصيدته، فاجتمعوا يوما محبطين يقولون بان مواضيع الشعر كلها سبقت و لم يعد ما يكتب عنه، فمر بهم الاصمعي و سالهم فاخبروه بما يجري، فقال بأن في الأمر مكيدة و ذهب فنظم هذه القصيدة الغريبة و أخفى نفسه و دخل على الخليفة و أنشد قصيدته فلم يستطع الخليفة حفظ شيء و لا وزيره و لا جاريته، فقال له سنعطيك ذهبا وزن ما كتبت عليه فقال الأصمعي "لم أجد غير عمود رخام كتبت عليه و وزنه أكثر مما تحتويه خزنة الدولة.و أحبط بهذه الخدعة مخطط الخليفة و اتفق معه أن يحسن للشعراء مرة أخرى، و إليكم القصيدة:



صـوت صـفـــــــير البــلبــــل ***** هيـــــــج قـــــــلبي الثــــمل
المــــــاء والـــــــــزهــــر معـــا ***** من زهر لحــــــظ المقــــل
وأنت يــــــــــــــا ســيـــــد لي ***** وسيــــــدي ومــــــولى لي
فكــــــــــم فـــــكــــم تيــــمني ***** غــــزيل عقيــــقــــــــــــــلي
قطـــــفتـــــه من وجنــــــــــةٍ ***** مـــــن لثـــــم ورد الخجل
فقـــــــــــــــــــال لا لا لا لا لا ***** وقــــــــــد غـــــدا مهرول
والخـــــــــــــوذ مــــالت طرباً ***** من فعل هذا الــــــــرجل
فـــــــــولـــــــــولت و ولـــولت ***** ولي ولي يا ويـــــــــــل لي
فــــــــقلــــــت لا تــــــولــــولي ***** وبيـــــــني اللـــــــؤلــــــؤ لي
قالت لـــــــــه حـــــــــين كذا ***** انهـــــــض وجـــــد بالنقل
وفــــــــــتيــــــــة سقـــــــــونني ***** قهيــــــــوة كالعـــــــسل لي
شمـــــــــــمتها بأنـــــــــفـــــــي ***** أزكى مــــــــن القــــــرنفل
في وسط بستــــــــــان حلي ***** بالزهر والـــــــــسرور لي
والعـــــــــود دن دن دنـــا لي ***** والطبل طبطب طب لي
طب طبطب طب طبطب ***** طب طبطب طبطب لي
والسقف سق سق سق لي ***** والرقص قد طــــــاب لي
شوى شــــوى وشـــــــاهش ***** على حمــــــــــار أهــــــزل
يمــــشي عــــــلى ثــــــــلاثــة ***** كمشيـــــــة العــــــــــرنجل
والنـاس ترجـــــــم جمـــــــلي ***** في الســـــــــواق بالقـــلقلل
والكـــل كعــــــــكع كعكــــــع ***** خلـــــفي ومــــــن حويللي
لكـــن مشيت هـــــاربــــــــاً ***** مــــــن خــــــــشية مبجل
يــــــــأمــــــــــر لي بخــــلــــعة ***** حمـــــــــــراء كالدم دملي
أجــــــــــر فيــــــــــــها ماشياً ***** مبـــــــــغــــــــدداً للـــــذيل
أنـــــــــــا الأديب الألمــــــــعي ***** من حـــي أرض الموصل
نظـــــــمت قطـعاً زخرفت ***** يعجز عنــــــها الأدب لي
أقــــــــــول في مطـــــــلعــــــها ***** صـــــوت صفـــــير البلبل
-------
محمد الرامي


الأحد، 24 أبريل 2016

جوّال قديم




آلاف الحدودِ عَبَرْ
حاملا حقيبةً
بها كل اللغات
و كل الثقافاتِ
و كل التفاهات
و ألف خريطة
و ليس بها..
جوازُ سَفَرْ..
مؤمنٌ بالصَّليبِ و الطَّاقيَةِ
مؤمن بالقَدَرْ
مؤمن بالشمسِ
و بالقَمَرَْ
مؤمنٌ..
بكل الدياناتِ..
كَفَرْ..
يملكُ ألفَ هويَّةٍ
بين البَشَرْ..
و يقضي أيَّامَهُ شريدًا
تأويه الحُفَرْ
يفترش الظلامَ..
يغطيه المَطَرْ..
باحثا عن العدَمِ
منْذُ عَهْدِ قَابِيلَ إلى اليوم
لكن عليه ما عَثَرْ..
وجهه بريءٌ كطفلةٍ
صوته ناعمٌ كنغمةٍ
بوم..بوم..بوووم..
هُوَ ذَا انْفَجَرْ !
يترك في كل مكانٍ..
أَثَرْ
يخلف بكل النفوسِ..
الحَذَرْ
لكنه أبدا..ما انْتَصَرْ..
يحلم كل يوم
ككل الضعفاء
 بالظَّفَرْ..
ثم كإناء فخارٍ قديمٍ
هوى في مكانه
و انْكَسَرْ..
بعيدُ الطُّموحَاتِ
قصير النَّظَرْ..
حرٌّ طَلِيقٌ
يقضي أيامه
في أَسْرْ..
هو ذا الإرهابُ
نسبه الطويلُ
تعرفه الأنسابُ
لما ملَّ الحياةَ..
انْتَحَرْ..
 -------------------------
محمد الرامي / سيدي قاسم:20/06/2008

السبت، 23 أبريل 2016

أسرار التميز (الحلقة 5) (قصة العادي)



هل تعرف قصة العادي؟
   يحكى أن رجلا كان يجلس في المقهى يقرأ جريدة، و فجأة وقف على رأسه شاب يلهث من الجري، و هو يقول له: أسرع، أسرع فزوجتك قد ولدت لك طفلا. لكن الرجل رد عليه بهدوء و هو لا يكاد يتحرك من مكانه: لقد أخفتني، ظننت في الأمر مصيبة! ماذا لو ولدت زوجتي، فالأمر عادي، كل النساء تلد! فعاد الشاب خائبا و أخبر الجميع أن الأب لم يهتم كثيرا للولادة و اعتبر الأمر عادي، فقرر الجد تسمية الصبي " عادي "، و فعلا بدأ الطفل "عادي" يكبر بطريقة عادية؛ يلبس ألبسة عادية، و له أصدقاء عاديون مثله، و يعامل أبويه بطريقة عادية، و يدرس في مدرسة عادية، و يحصل على نتائج عادية، و يزاول أنشطة عادية، و يفكر بطريقة عادية. و كبر الطفل و صار شابا، فاختار للزواج شابة عادية، و بنى أسرة عادية، و أنجب بدوره أبناء عاديين، و ذات يوم بينما هو يجلس في المقهى مع أصحابه، جاءه شاب يجري و هو يلهث و يقول: أسرع، أسرع فقد مات والدك. نظر إليه بهدوء و هو يقوم: عادي، فكل الناس ستموت يوما. إلى هنا انتهت القصة، لكني أسألك: هل أنت أيضا اسمك عادي؟ هل أطفالك عاديين؟ أم أنت متميز و تختار لأطفالك ما يميزهم؟ هل تدفعهم لحب التميز و العمل من أجله؟ أنت مسؤول عن واقعك و واقع أطفالك، " كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته "، و عليك أن تختار بين أن تسمي نفسك و أطفالك " عادي "، أو أن تسمي نفسك و أطفالك " مُمَيَّز ".
------------
محمد الرامي