الخميس، 10 سبتمبر 2020

كيف تتحد الأرواح التوائم؟



جميع الأرواح توائم متفرقة.. قدرها الله كذلك، فلكل روح زوجها، و ليست كل روح صالحة لتكون زوجا لها، و في علم الله و قدرته قدَّر أن تلتقي كل روح بتوأمها في مرحلة ما، عدل إلهي لا يشكن فيه أحد، لكن المشكلة فينا نحن، نرتبط بأرواح ليست من طينتنا و لا تحق لنا، فنحب فيها جانبا و نركز عليه فيصبح مرجعيتنا في تلك المحبة القاصرة، و بالتالي عندما تظهر الروح التوأم تجد توأمها أعمى القلب و البصيرة، فلا يجدان لبعصهما سبيلا و لا يتعرفان على بعضهما، فتضيع الفرصة، و يمنحان فرصة أخرى بعد زمن و سنوات، فإن كانا قد تحررا و أدركا وعيا محددا بأنفسهما و غاياتهما و قيمهما فقد يلتقيان أخيرا ليؤسسا أسرة تملأ العالم عطاء و تبني جزءا كبيرا منه، فهما في الأصل روحين نورانيتين عظيمتين قابلتان للاتحاد و إنارة ما حولهما بقوة و دفع الظلام المتفشي في باقي الأرواح التائهة، تصبح أسرتهما قبلة للناس يقتبسون منها قبسا تلو الآخر باستمرار.. و إن كانا بعد سنوات غارقين في قيود المشاعر المصنوعة إعلاميا و بشريا من أوهام و خيالات تحت مسمى الحب، فسيضيعان فرصة تلو الأخرى حتى يفارقا الحياة دون تعارف و لا لقاء، و هو ما يحدث فعلا في عالمنا لأغلب الناس.. الله خلق كل نفس و خلق لها زوجها.. مصيبة إطلاق المشاعر أنها تحرم الناس فرصة العيش في سعادة عالية و جنة على الأرض.. اتحاد الأرواح يحتاج للتحرر و النوء بالنفس عن الجري وراء كل عاشق أو عاشقة يظهر لك، و تجنب السقوط في علاقات غريبة تركز على جمال الشكل أو قيمة خلقية وحيدة منعزلة في الشريك.. روحنا تستطيع التعرف على توأمها لوحدها حين يظهر فجأة، و كلما كنا متحررين طاهرين سهُل اللقاء و الاتحاد و كانت الحياة روعة.. عاشها كثير من الناس في الأزمان السابقة حيت كان للقيم قيمة و كانت تسيطر على المجتمع، فيركز الناس على علاقاتهم بربهم فييسر لهم توائمهم، في الأزمان الأخيرة اختلط الحابل بالنابل، و صار قدوة الشباب قصص حب مزيفة بطلها روميو و جوليت و قيس و ليلى و أمثالهما من الأرواح التي ضلت و عانت حتى ماتت، تلك ليست قصص حب روحي بل تلك قصص مأساوية لحب أعمى لم يكن يوما ليعطي للعالم شيئا إضافيا، لأنه حب هدام غير سوي.. في أيام الثانوي اشتريت كتاب "قالت لي العصا " لتوفيق الحكيم، و كنت شابا غير مدرك لكل ما أقوله الآن، و في نهاية الكتاب ملحق بعنوان اتصالات من الآخرة، كان يتصل بالأموات و يقيم معهم حوارات، و من بين الحوارات التي أجراها أنه اتصل بروميو و جوليت يتحدث إليهما، و حينها كنا نرى ذلك حبا عظيما، فكان يسألهما كيف وجدا طعم الحياة معا مجتمعين، و تلك الأسئلة التي ستطرأ علينا جميعا من قبيل ماذا لو كانا معا، صاغها توفيق الحكيم بشكل جميل في المضارع و هو يتحدث للعاشقين، فكانت جولييت متذمرة من روميو و نادمة على حبه، و كان روميو مصدوما كيف أحب امرأة مثلها.. حوار ممتع لكنه فلسفي بشكل لم أدركه حينها، و حضرني مرات في مسيرة حياتي و أنا أكتشف حقيقة الحب بين الناس.. و فهمت مغزى ذلك الحوار و أنا أتحرر قليلا قليلا من ذلك الشعور المرضي الناتج عن عقد نفسية و الطامح لمصالح دنيوية سطحية، و الغارق في الشعور بالمتعة القصيرة المرفقة بالحيرة الممتدة..

لا تلتقي الأرواح التوائم ما لم تكن صافية البصيرة و ترى بوضوح، و المشاعر المصنوعة في زماننا تغطي بصيرة القلب فلا يرى حقيقة المشاعر و يعمى أمام اكتشاف توأمه الحقيقي.

==================

محمد الرامي 10/09/2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيك يبني و فكرك يعلم و يصحح، فاجعله شعلة تنير قلب من تصل إليه.