السبت، 11 مارس 2017

في الجامعة ؟؟


توطئة: ( هذا النص كتب في سنة 2003 بجامعة ابن طفيل و هي اول سنة لي بالقنيطرة، و وزع و نشر على جدرانها بمساعدة الاصدقاء تلته نصوص اخرى). أنشره لكم دون تنقيح من الأرشيف.

 
 لا نستطيع أن نقول أن في العالم أحدا لا يعرف الجامعة، إلا إذا كان ليس من هذا العالم، و حين ذاك سيكون خير له أنه لم يعرفها، و خير له أن لا يعرفها، و حسبه أن يتصورها معي في هذا النص حتى يعرفها، فهي في الحقيقة اسم على مسمى، لانها جامعة ليس للعلم و الأدب فقط ، و إنما لكل شيء، ففيها قد تعرف معاني الفضيلة و الرذيلة، و ترى مظاهر المجون، و التبرج، و الحب، و السلوكات الفاضحة في أبهى صورها، كما تعرف فيها قيمة المظاهر الخادعة، أما العلم فهو مطلوب لكن ليس بإقبال. أفليست هذه جامعة؟ بلى انها جامعة لكل شيء، للعلم و المنكر، و الخير و الشر، و الفضيلة و الرذيلة، و كل ما قد يخطر على قلب البشر...
      قد كان العلم في الجامعة هدفا تُتَّخذُ لأجله شتى الوسائل، و هذا ما يعتقده الناس حتى في هذا العصر، لكن الواقع يخالف الاعتقاد تماما.. لأن الجامعة اليوم صار لها دور آخر إلى جانب أدوارها الرئيسة، فقد صارت ملجأً لبعض المتطفلين على العلم و العاطلين، مما جعل العلم وسيلة من وسائل بعض الطلبة لغاية إما الهروب من المشاكل الأسرية، أو لبناء العلاقات، و استغلال الفرص النادرة لانعزال الفتاة عن أهلها و حُمَاتها، فتصبح لعبة الاستغماية مثيرة مشوقة بين الفتى و الفتاة، و كل منهما يخدع نفسه بأنه طالب علم و هو طالب لهو، حتى إذا مرت السنوات خرج بإجازة أو بدونها، لكن صفر اليدين على كل حال، لأن العمر مضى و الميزة مقبول. و قد نغض الطرف فنجعل العلم هدفا، فهل يتفق العلم الذي يصنف في قمة الفضيلة مع سلوكات تصنف في قمة الرذيلة. و إنك لتنزل من الحافلة بباب الجامعة فأول ما تقع عليه عيناك أن ترى أغلب الطلبة و الطالبات، قد تحولوا جميعهم إلى عشاق و عاشقات، فترى أحدهم يجالس إحداهن، و هي واضعة رأسها على صدره، حالمة أنها ستسمع صدى صوت قلبه يحدثها بحبه لها، لكنها لن تسمع إلا ما قد تسمعه أية فتاة أخرى خرجت عن الطريق، و ليس من قلبه و إنما من ألسنة الذين سيزدرونها... و إن سالتها ما رأيها فيما صارت إليه؟ قالت لك "كلام الناس لا يهمني" و على الأرجح أنه يهمها، لكنها فقدت عزتها و كرامتها و فقدت شعورها بالذنب، فتساوت السلوكات لديها، و ربما لا ترى ذلك لكنك سترى أعجب من ذلك، حين تقع عيناك على أنواع جد غريبة من ألبسة بعض الفتيات، قد تتوهم أنها موضة العصر كما قد يقال لك، لكن لا تخدع نفسك، فنحن في بلد عربي إسلامي و تلك ليست ثقافتنا...
      إن الجامعة اليوم، إنما هي كما ذكرت، و لا تنافس أبدا تلك القيمة التي اكتسبتها جامعتي الأزهر و القرويين، اللتان أنجبتا لنا، أدباء و أعلام لا حصر لهم. أما هذه، جامعات اليوم، فهي لا تنجب لنا سوى أطفالا مشردين بدون آباء، و تنجب لنا أغرب و أقبح قصص الحب أو الجنس على الأصح، فهل سنرضخ لهذا الواقع أم نغير ما استطعنا تغييره، قد يعود البعض إلى كلمة الحب، فيتخذه عذرا يتخفى خلفه كالنعامة تخفي رأسها و هي ظاهر كالجبل للعيون الناظرة. على أنه في هذا كله يجهل معنى الحب العذري و الروحي، الذي ليس بيد البشر، وإنما بيد الله، و هو حب ليس من ورائه قصد غير الحب و الوصال الأبدي، و هذا لم يعد موجودا للاسف... أما معنى الحب في نظر هؤلاء الشباب، فهو طريق تتخذه الفتاة للزواج فلا ينفعها، لأنها تحب برغبتها لا بقلبها فلا ترى أن الذي تخدعه إنما يخدعها هو الآخر، و أنه هو أيضا اتخذ نفس الطريق لبلوغ غايته الغريزية و إشباع لذته منها، ثم ينفض يده منها كما ينفضها من التراب إذا علق بها، فهل سنسمي هذا حبا؟ كلا إن الشباب اليوم تحجر قلبه فلا يستطيع أن يحب. لانه ورث عن الحضارة الغربية، كل ما تتميز به من موضة في الألبسة وموضة في العلاقات الإنسانية، فتعلم منها أن العلاقة إنما تبنى على المادة و المصلحة، و ليس على العاطفة الانسانية، فهل سيصون الفتاة من اتخذها طريقا للهوه و عبثه. كلا فعليها أن تصون نفسها بنفسها، و هي التي تملك أن تحمي شرفها من عبث العابثين و لهو اللاهين، لأنها هي صاحبة الرفض أو القبول، فإما أن تضع حدا لشرفها، و إما أن تضع حدا لمراودها عن نفسها و عيناه تشتعلان نارا. و لم أتخذ الدين طريقا لهذا النص لأنه ديننا الحنيف و لا يوجد بيننا من يجهل الحلال و الحرام، و إن كان الإسلام لديه من الأدوات الزاجرة لأن يضع حدا لما نحن فيه، و لكن أين نحن و أين الاسلام؟ فهو كالعباءة تُلبَس عند الحاجة، و تهمل عند الملل، إلا أن الإسلام في غنى عنا و يفرض نفسه بنفسه. فهناك فتيان و فتيات و الحمد لله أشراف، طلقوا الدنيا و بيوتهم خصيصا من أجل العلم، وهم بأخلاقهم قد يصلحون الآخرين، لكن ما العمل لو أفسدهم الآخرون، لهذا اتخذت الأخلاق طريقا لنصي هذا، لأن الإنسان إن استطاع أن يتناسى دينه و إيمانه فهو لن يتناسى أخلاقه لأنه مراقب عنها أمام الناس، و كل سلوك يقوم به إنما يستحسنه الآخر أو يستهجنه، و بحكم أن المظاهر هي الطاغية على إنسان اليوم فحري به أن يكون عند حسن ظن الآخرين، و هو في ذلك مخير بين الفضيلة الرذيلة. و ما خلدت الأسماء الخالدة في الدنيا، إلا عن طريق الفضيلة، في أي مجال من المجالات تخصصت...
---------------------
محمد الرامي 2003 جامعة ابن طفيل. (دون تنقيح)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيك يبني و فكرك يعلم و يصحح، فاجعله شعلة تنير قلب من تصل إليه.