الأحد، 19 أغسطس 2018

أحبك و أكره الأطياف (2)



طالما تعبت من وجودك بحياتي و كنت عنيدا أيها الطيف، كنت عنيدا لدرجة أني كرهت وجودك في حياتي كثيرا، نزعتك مرارا من حياتي نزعا و كنت تعود بعد قليل لتستقر مجددا بأركان المنزل الصغير، تركت لك المنزل أحيانا أخرى لعلك تمله أو تشعر بوحدتك فيه فتغادر، فكنت لا تمل و لا تغادر، و كنت في النهاية أعود مشتاقا لأجدك في انتظاري قابعا بكل زاوية، طالما رغبت في أن تتركني و ترحل و أبيت، و اليوم بعد أن تعودتك، ألفت وجودك، أحببت قربك، وجدتك ذاتي التي أعشقها و مرآة روحي المتجسدة، ها أنت تحاول الفرار من أضيق ثقب بالجدار، و تحاول أن تهجرني بعد أن نقلتك من منزلي إلى أعماق قلبي، و صارت لك زوايا الفؤاد مجلسا عوض زوايا الجدران، اليوم و بعد أن أوصدت عليك كل الأبواب لتبقى تحاول الخروج من النوافذ و الشقوق..
كسرتَ قلبي ألف قطعة عبر سنين و لم يكن ذلك كافيا ليقطع حبل علاقتنا، ألف قطعة دقيقة لا تكاد ترى الواحدة منها منفردةً، ألف قطعة و تريد تفتيتها للمزيد، ألف قطعة إلا قطعة واحدة، تافهة نعم و لكنها تكتسب أهميتها من وجودها، أستغرب كيف استطعت إخفاء تلك القطعة التافهة عني طلية كل تلك السنوات؟ كيف كنتَ تجالسني، تسامرني، تشاركني الطعام و الشراب و المنام دون أن يخطر ببالك يوما مشاركتي تلك القطعة لتملأ بها لحظات الصمت التي كانت تلفنا لدقائق و أحيانا لساعات؟ من أين أتيتَ بتلك القدرة الكبيرة على التستر و أنت الذي ظننته كتابا مفتوحا أقرأه دون حاجة إلى معجم مساعد؟ ما ضرك لو وضعتها بين يدي لأنظر إليها كما نظر إليها الجميع؟ لم تكن شيئا خاصا بك حتى تخفيه عني و إلا لقدَّرت ذلك؟ بل كانت قطعة عامة يتشاركها الجميع و غابت عني!
أيها الطيف العنيد، مؤسف جدا أن ترافقني متى تريد و تفارقني حين تشاء، مؤسف جدا أن تظهر بمنزلي متى شئت و تختفي حين أريدك، ليس من عدل الأرض و لا عدل السماء أن تخنق القلب الذي يصارع كل الإغراءات ليحتفظ بك، و تفارق قلبا يطاردك في حقيقته و يدعي أمام الناس انه يطردك، مؤسف حبيبتي أن تشيخ مشاعرنا بينما ندخل نحن عمر الشباب !!
----------------------------------
محمد الرامي 18/08/2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيك يبني و فكرك يعلم و يصحح، فاجعله شعلة تنير قلب من تصل إليه.