الأحد، 15 مايو 2016

المقبرة ! رعب ( الحلقة 3 )



..... نظر إليه صاحبنا مستغربا من جحوظ عينيه و قال: "لا تخبرني أنك كنت ستصرخ!" رد كمال محاولا الثبات كأنه على الصراط: "لا.. لم سأصرخ؟!" قال صاحبنا محذرا: "يستحسن بك ذلك، ففي هذا السكون من الليل قد تصل صرختك للعاصمة!" و ناول معولا و رفشا لكمال و طلب منه الابتعاد قليلا كي يبدا حفر القبر، ثم هم بمعوله يضرب به الأرض لولا أن شعر بجسم كمال يلتصق بظهره يعيقه، فالتفت إليه غاضبا يقول: "هلا ابتعدت قليلا عني كي أستطيع الحفر؟" إلا أنه فوجئ بكمال ينظر إلى طرف الطريق من ناحية الغابة و هو شبه مصدوم و يهمهم: "انظر.. انظر هناك من هو قادم نحونا" نظر صاحبنا حيث يصوب كمال عينيه فرأى شخصين قادمين ببطء. انحنى بجسمه غريزيا و جذب صاحبه للانحناء و هو يقول: "يا للحظ! ترى من يتسكع في الغابة في هذا الوقت من الليل؟ ... لنختبئ خلف تلك النباتات العالية هناك حتى يمرا ثم نكمل عملنا.. احمل أنت المعولين و أنا سآتي بالرفش و محفظة باقي المعدات". أسرع كمال خلف النباتات و تبعه صاحبه، على بعد أمتار من القبر بعيدا عن الطريق المجاور الذي من المفترض أن يمر فيه القادمان، و ظلا يترقبان القادمان بتركيز قطعه كمال بهمس أفزع صاحبه قائلا من خلفه: " أحمد، ماذا لو كانا مجرمين و رأيانا؟" رد صاحبنا عليه و قلبه ما يزال مفزوعا من فجأة صديقه: " شكرا لأنك أخيرا ذكرت اسمي في هذه الرواية، و الآن هلا تسكت حتى لا يعثرا علينا فعلا؟" ثم تجمدا في مكانهما إذ رأيا القادمين اقتربا منهما، و لكنهما فوجئا بأن الشخصين لا يسيران في الطريق، بل عدلا إلى وسط المقبرة يتجهان نحوهما، ارتجف قلب الصديقين دون ردة فعل و أيقنا أن أمرهما كُشِفَ و أنهما ربما كانا مراقبين من البداية، لكن الغريبين توقفا فجأة و بدآ يتهامسان، توقفا عند نقطة محددة بالمقبرة هي آخر مكان تخيله صاحبانا، على رأس القبر تماما، كانت المسافة بين القبر و حيث يختبئ صاحبانا لا تزيد عن خمسة أمتار فقط، و أي حركة حادة أو صوت يستطيع الغريبان سماعه، كانت المفاجأة تستولي على أحمد و كمال في مخبئهما الطبيعي، و كل منهما يتساءل عما يفعله الغريبان، فأرهفا السمع و ظلا يترقبان، قال أحد الغريبين لصاحبه: " هل أنت متأكد أن هذا القبر هو علامة على حوض بترول سري؟ ماذا لو طلع تخمينه خاطئا؟ سيضيع كل المال الذي استأجرنا به مقر شركتنا الوهمية للتنقيب!" في تلك اللحظة و بذكاء نادر تذكر كمال الاسم الذي قراه على شاهد القبر "role pet" و أسرع عقله لتعديل الاسم قليلا بقلب طرفيه ليصبح "petrole" بينما يده يشد بقوة على ساعد صاحبه حتى آلمه فكاد أن يصيح لولا صعوبة الموقف، و ادرك الصديقان أن هذان الغريبان سبقاهما للبحث منذ فترة و اكثر من ذلك أنهما توصلا لنتيجة و يعملان على استغلالها، و فكر أحمد في نفسه: "ترى كم شخصا يحاول فك لغز هذا القبر المنسي؟!" و لم يمهل نفسه فرصة أخرى للتفكير و إنما انبثق بعصبية من خلف النباتات و قصد الغريبين بينما يتبعه كمال بحذر.. فوجئ الغريبان و كادا يفران من هول المفاجأة لولا أن سمعاه يقول بصوت خفيض: "من أنتما؟ و ماذا تفعلان هنا؟ أنتما تتدخلان في عمليتنا و تفسدانها علينا" لم ينبس الغربيان بكلمة لحظات، و تبادلا النظرات فقط باستغراب، ثم قال أحدهما: " أذا أقترح أنكما سمعتمانا، صحيح؟ حسنا ماذا تريدان؟" نظر إليه احمد و قال بحزم مصطنع: "نحن نعمل على معرفة سر هذا القبر، و أنتما تقومان بنفس الشيء كما يبدو"، قال أحد الغريبين: "نعم، و يبدو أنكما تعلمان الآن أننا سبقناكما إليه، لذا اقترح أن تغادرا المكان حالا بلا مشاكل"، تململ أحمد بهدوء قائلا: "نحن نشترك في نفس الفكرة، و كلانا يعمل على نفس العملية، و بهذا لا يوجد سوى احتمالان فقط، إما أن نشترك جميعا و نتعاون، أو نرحلا من هنا و يمكنكما تخيل نتيجة ذلك" قال أحد لغريبين و يبدو أنه صاحب الفكرة: "هل تهدد بإشاعة الأمر و كشف أمرنا؟"، لم يجب أحمد و إنما ظل ينظر إليه بمعنى أن الامر واضح و لا يستدعي مزيدا من التأكيد، في حين يهمس له كمال: "هيا احمد لنرحل من هنا، لا يستحق الامر المخاطرة"، ظلت النظرات تتبادل بينما القلوب ترتجف قبل أن يقول أحد الغريبين مستسلما: "حسنا، بشرط أن تسيران في خطتنا و لا تقومان بشيء من نفسيكما إلا بعد استشارتي"، شعر أحمد بوخز في صدره من ياء المتكلم في آخر الجملة لكنه عجز عن الاعتراض و أومأ براسه بالقبول، ثم قال: "حسنا، ما هي الخطة؟" نظر إليه الغريب المتزعم لحظة ثم قال: "يبدو أن ما من خطة لهذا اليوم، سنحتاج جلسة مطولة للاتفاق على شتان أمور هذه الليلة، و سنؤجل العمل للغد" بعد لحظة أردف قائلا: "اسمعا، لن نخرج من المقبرة جميعا كي لا ينفضح أمرنا، سنخرج نحن أولا ثم تتبعاننا بعد خمس دقائق، و نلتقي جميعا في ساحة البلدية" و انطلق الغريبان خارج المقبرة يحملان أغراضهما في انحناء و تربص، بينما أسرع كمال خلف النباتات حمل الرفش تحت إبطه و المعولين في يديه و المحفظة بين أسنانه و عاد لصديقه الذي وجده يشد بقبضته و يصك اسنانه كما لو يتمنى أن يقتل هذين الغريبين الذين أفسدا خطته..

**********************************************

        في باب ساحة البلدية التقى أحمد و كمال الغريبان فقال من يعتقد أنه الزعيم بكلام شبه أمر: "لنذهب من هنا، هيا إلى السيارة"، و أشار لسيارة رباعية الدفع فاخرة الطراز، فالتفت احمد لكمال هامسا: "يا للهول، سيارة رباعية الدفع! من يكون هذان؟"، تردد كمال و طلب أن يغادر لمنزله فاستوقفه الزعيم بنظرة ارتجف لها قلبه قائلا: " ماذا قلت؟ تريد الذهاب؟ بهذه السهولة؟ انس الأمر، بدأت العملية و لن تخرج قبل أن ننتهي، من يضمن لنا أنك لن تشي بنا؟" قاطعه أحمد مهدئا: "هيه، توقف، إنه صديقي و هو لن يفضح أمرنا، أنا من دفعه للاشتراك في العملية" ثم نظر لصديقه هامسا: "لا تقلق، لنكمل ما بدأناه، ماذا لو كان حوض بترول فعلا؟ سنجني من ذلك ثروة هائلة"، أومأ كمال برأسه موافقا و هو يبتلع ريقه بصعوبة مصوبا عينين جاحظتين لعيني صديقه.. و انطلق الجميع و اختفوا داخل السيارة التي انطلقت بسرعة مبتعدة عن المكان... (يتبع)
-----------
محمد الرامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيك يبني و فكرك يعلم و يصحح، فاجعله شعلة تنير قلب من تصل إليه.