الأحد، 17 أبريل 2016

المقبرة! رعب ( الحلقة 1 )



        لم يكد يضع رأسه على وسادته حتى كانت عيناه قد غابتا في الظلام، و عقله هوى في الفراغ كصخرٍ أُلقي نحو قعر بئر مظلم، ترك صحن عشائه على الطاولة دون أن يكلف نفسه عناء غسله. عاد منهكا من رحلته الاستثنائية رفقة فريق عمله إلى منطقة أقشور الطبيعية، لم يكن يوم واحد كافيا للقيام برحلة مشابهة، و قطع كل المسافة من سيدي قاسم إلى أقشور ذهابا و إيابا. لكنه الآن غاب في الظلام و الفراغ، مطلقا العنان لعقله و مشاعره كي يصوغا له أحلاما كيف يشاءان، سمع لوهلة دندنة شبيهة بأغنية أم كلثوم تنادي مكلومة "فكروني الزاي، هو أنا نسيتك؟ ..." ثم اختفى الصوت فلا يعلم هل سمع صوتها فعلا متسللا عبر نافذة الغرفة، أم أن الأحلام بدأت تستغرقه في أعماقها، فجأة شعر بوسادته كما لو تحولت صخرة مدببة تحت رأسه، كافح مستلهما شجاعة "جيفارا" ليفتح عينيه هذه المرة لأن نومه سيصير عذابا بشعور صخرة تحت رأسه، كانت الشمس في كبد السماء تلتهم الوجود بنورها بعد طبخه بحرارة صيفٍ حارقة، مندهشا تلفت يمنة و يسرة ليبحث عن جدران غرفته غير الموجودة في ذلك المكان الذي يستلقي فيه، للحظة كاد قلبه يتوقف و هو يدرك أنه كان ينام بين سكتي حديد قرب نفق مظلم يأخذ داخل جبل لم يسبق أن رآه من قبل، على جانبي السكة من جهة صخور عملاقة تمتد لأعلى الجبل، بينما من الجهة الأخرى جرف مسطح يمتد لأسفل حيث -كعادة كل القصص الغريبة- يوجد نهر صغير تطل منه صخور صغيرة، يمر الماء بينها مشكلا مشهدا تجريديا شبيها بلوحة صُبَّت الصباغة في أعلاها لتتحول إلى خطوط متفرقة، أمامه يمتد النفق ليختفي في الظلام، و خلفه تمتد سكة الحديد محاطة بعناية من جانبيها بالصخور لأعلى و الجرف لأسفل، تساءل بحنق: "لو كان حلما أفلم يجد عقلي المريض غير هذا المكان و هذه الظروف ليضعني فيها؟ و إني لأرجو ألا يتأخر القطار كثيرا ليضع حدا لهذا الوضع المزري، أما لو كان حقيقة فهذا سيحتاج لما تبقى من عمري كي أعرف كيف وصلت إلى هنا بالذات!". كان يدرك أن الامر ليس إلا حلما غريبا يعبر عن مشاعر ضاقت ذرعا بحياة يغلفها الملل، يقضي اليوم في العمل و المساء أمام التلفاز، تتراكم الشحوم على بطنه كما تتراكم كثبان الرمال بجانب غابة، لكنه تمنى للحظة لو أن الأمر ليس مجرد حلم، حار لحظة في أي طريق يسلك، أَالنفق المظلم أم سكة الحديد الملتوية كثعبان ماء؟ ثم قال في نفسه" ما الفرق؟! في كلا الحالتين سيأتي قطار يزن آلاف الأطنان ليصنع مني خبزا تحت هذه الشمس!" ثم قرر ولوج النفق آملا أن يكون في نهايته مخرج ما دامت السكة خلفه ممتدة و هي محاطة بصخور و جرف إلى ما لا نهاية! لكنه ما إن تقدم بضع أمتار داخل النفق حتى تزايد الظلام و بدأ  يفقد الرؤية، فعاد أدراجه إلى باب النفق و بدأ يبحث كطفل عن شيء ما لا يدري بالضبط ما هو، نظر للصخور التي تملأ كل مكان ثم قال باستغراب" كيف قام الإنسان القديم بإشعال نار من الصخور؟ لو قضيت عمري أحاول الحصول على نار بضرب هذه الحجارة ببعضها لما حصلت على شرارة واحدة؟" يائسا جلس و اتكأ على مدخل النفق مستسلما، فتبادرت إلى ذهنه مشاهد من فيلم "inception" و كيف كانوا يستعملون السقوط للاستيقاظ من الحلم، فقام و ألقى نظرة إلى أسفل الجرف كأنه يقيس المسافة ليستشعر ألم الارتطام، ثم تذكر كيف أن الناس يطلبون ممن معهم ضربهم بقوة ليتأكدوا أنهم في الواقع و ليسوا في حلم، فنظر داخل النفق كأنه يستدعي القطار، و ابتسم ابتسامة ساخرة حين تذكر أنه يفكر في ضربة من قطار يزن أطنانا لن يترك له حتى فرصة التأكد هل كان في حلم أم في واقع، و بدا بسذاجة يقارن بين سقطة من أعلى الجرف و ضربة قطار كي يستيقظ من حلمه أو ينتقل إلى حلم أفضل، لكن القطار لم يمهله إذا سمع فجأة زلزلة و هديرا قويا من داخل النفق، فأيقن أن القطار قرر أن يضع حدا لأفكاره المشتتة، انتبهت كل ذرة في جسمه فجأة و تحفزت كل غرائز البقاء في داخله فبدأ ينظر لمدخل النفق و للنهر كأنه يختار أحدهما، و قبل أن يتخذ قراره كان الهدير يزداد و يقوى فظهر بسرعة قطار من مدخل النفق أوقف عقله عن التفكير ليجد نفسه يرتطم بالأرض! فتح عينيه كأنه لا يصدق أنه ما زال حيا، ليرى على يساره السرير و قد سقط من فوقه، لقصر قامته كانت سقطته من السرير أشبه بصدمة قطار تقريبا، بينما هدير الثلاجة يملأ الغرفة ضجيجا، فقال هامسا" أعتقد أن الوقت حان لأخذ هذه الثلاجة للتصليح قبل تقتلني يوما شر قتلة"! ألقى نظرة خاطفة لعقارب الساعة على الجدار فوجدها تشير للخامسة صباحا، تساءل: " كيف يعتقد العلماء أن مدة الحلم لا تتجاوز 7 ثواني بينما استغرق حلمي أربع ساعات كما لو قضيته في الواقع؟! ربما يجدر بهم إعادة البحث في الموضوع". قام نحو المطبخ ليـ.... ( يتبع ).
------------
محمد الرامي

هناك تعليق واحد:

  1. تذوقك للمعنى هو الرائع أخي، فليس كل قارئ متذوق و لا كل قارئ يعيش ما يقرأ، شكرا على مرورك و التفاعل الطيب..

    ردحذف

رأيك يبني و فكرك يعلم و يصحح، فاجعله شعلة تنير قلب من تصل إليه.