الخميس، 7 أبريل 2016

مرضى الفصام..من حولنا !!






     حين نتأمل قليلا في من حولنا، لا نفاجأ بغرابة أطوار بعضهم، و غرابة تصرفاتهم لدرجة إخافتنا، فقط لأننا تعودنا منهم ذلك، و حتى إذا ما تشجع أحد المثقفين من بيننا ليخبرهم بالأمر، سوف يفاجأ حينئذ بأنه صار المجنون الأكثر غرابة بينهم، و أنه الوحيد الذي يختلف عن الباقين، فهلا تساءل هؤلاء قليلا عن شيء يسمى الاتزان؟ و قارَنُوا تصرفاتهم قليلا بتصرفات مرضى الفصام؟ لو فعلوا ذلك لوفروا علينا طريقا طويلا في محاولة إقناعهم بانحراف سلوكاتهم المتكررة..

      في مقهى عمومي، كنت أجلس بين المتفرجين أتابع مجريات مباراة المنتخب الوطني ضد منتخب الرأس الأخضر، وطبعا ما سأصفه حدث مثله بالضبط في مقاهي أخرى ليس بنفس المدينة فقط، بل حكاه لي أصدقاء من البيضاء رأوه بأعينهم..الذي حدث هو أن الجمهور المتجمع لتشجيع المنتخب الوطني، و المؤدي مالا مقابل ذلك، تحول فجأة أثناء المباراة إلى جمهور رسمي لفريق الرأس الأخضر، و قفز الجميع مهللا و مصفقا و صارخا مع تسجيل الرأس الأخضر هدفهم الأول، طبعا السبب هو المستوى الضعيف الذي ظهر به المنتخب الوطني، حتى هنا لا بأس، و لكن بعد بضع دقائق فقط و أثناء محاولة فاشلة من طرف المغاربة قام نصف رواد المقهى مهللين و صارخين، و قبل تسجيل هدف التعادل تحول كل المتفرجين إلى جمهور مغربي فجأة، و صار وطنيا حين رأى تحسن أداء فريقه..فلو حضر أي أجنبي هذه المشاهد لحصل له تخبط و حيرة، إما أنه سيظن نفسه بين جمهور يتمتع بروح رياضية حتى النخاع، أو سيظن نفسه بين جمهور من جالية الرأس الأخضر، أو سيظن نفسه بين جمهور مهووس بالأهداف لا يهمه من سيسجل..

      في كل يوم توقظ كل أم أولادها في السابعة صباحا، و تحضر لهم الفطور و ترسلهم إلى المدرسة حاملين محفظة محملة بالكتب الثقيلة، و يعود الأولاد إلى المنزل في منتصف اليوم و يرمون المحافظ في الباب حتى دون إلقاء التحية، و طبعا لا تكلف الأم نفسها سؤالهم كيف مر يومهم، أو ماذا درسوا، أو ما الواجبات المنزلية التي كلِّفُوا بها، و يظلون طيلة أيامهم يلعبون و يقضون وقتهم بعيدين عن الكتب، دور الأم ينحصر فقط في إطعامهم و توفير متطلباتهم دون مراقبتهم –أقصد المتعلمات و الأميات على حد سواء- ثم تبدأ الأم في ترديد كلام مهم كل مرة:"عليك أن تنجح، إذا لم تنجح سأقتلك، سأ..." و تشعر بالرضى لأنها حفزته بهذه الكلمات المخيفة، و تنتهي الدورة و يحصل الأولاد على أتفه النتائج، و يحتفل الجميع لأن الأولاد نجحوا حتى لو كان ذلك بنقطة أقل من المعدل !!! إن وجدتم تفسيرا أطلقوه.

      تتذمر كل الجمعيات – الفاعلة و النشطة، و الوهمية على حد سواء- من قلة الدعم و انعدام الفضاءات، لكن أغلبها غير مستعدة أبدا لتنظيم أي أنشطة من أي نوع، أو القيام باستهداف أي فئة من المجتمع، أو حتى القيام بأي من اجتماعاتها الدورية، فهي جمعيات لا تفعل شيئا، و تريد الدعم السنوي عن مجهودات وهمية..هل هذا فعلا حال جمعيات مجتمعنا المدني؟ إذا ليس هذا على كل حال مرض التوحد، فهل هو فصام؟

      يجتمع الأساتذة كعادتهم في المقهى و يقيمون تجمعات صغيرة لحسو الشاي و مناقشة وضع التعليم ببلادنا، و تبدأ النقاشات هادئة لتتحول إلى تحليلات نفسية و اجتماعية معمقة، بصوت يصول و يجول في كل جوانب المقهى، و تركز نقاشاتهم الذكية على إهمال الدولة لوضعهم، و قلة الاضرابات التي تنظمها النقابات، و السلالم العالية جدا لدرجة أنه يصعب تسلقها بسرعة كافية، و حول غباء التلاميذ الذي لا ينتهي و يجتاح المدارس كسرطان، و حول رخص أثمنة الساعات الإضافية بالمدارس الخصوصية، أو بالمنزل الخصوصي، و حول معاناتهم مع مخططات الإصلاح التي تثقل كاهلهم، و حول ما لا ينتهي من مشاكل التعليم...و يمكنك أن تزور أي فصل لترى أن كل تلك الأساتذة في حقيقة أمرهم هم المشكل الوحيد بمنظومة التعليم، فهل هذا فصام؟ إن كان كذلك فودع آمال التطور لأننا كنا نتحدث عن المعلم، و ليس أي شخص آخر، السلم الحقيقي لأي مجتمع...
-------------
2012 سيدي قاسم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيك يبني و فكرك يعلم و يصحح، فاجعله شعلة تنير قلب من تصل إليه.